استشاط بعض روّاد مواقع التواصل الإجتماعي غيظاً بعدما أطلق المغني الإسرائيلي، موشيه بيرتس أخيراً على قناته على يوتيوب فيديو كليب أغنيته الجديدة التي تمزج بين العبرية والعربية، بعنوان «كنّا اثنين». أما السبب، فهو ليس «تعدّيه» على لغة الضاد أو استغلاله لها، بل لأنّ العمل عبارة عن دويتو يجمعه بالفلسطينية نسرين قادري (الصورة) التي تغنّي الكلمات العبرية بـ «إحساس شديد»، مع حضور خجول للعربية بصوت الثنائي: «إنت حياتي وإنت نور عينيّا... عم تسمعني يا أغلى الناس عليّا».
إلى جانب صورة «السلام والتعايش» التي يرسمها هذا العمل كأنّ «إسرائيل» لم تبنَ على أملاك وجثث ودماء الفلسطينيين، يظهرالكليب أيضاً «كوبلاً» غارقاً في الحب يعبّر كلّ منهما عن حبّه الشديد للآخر برغم البعد والمصاعب. غير أنّ هذه العلاقة ما هي إلا تجسيد أمين لجانب من حياة الفنانة البالغة 31 عاماً التي كانت قد أعلنت العام الماضي عن موافقتها على الزواج من حبيبها، عازف الدربكة الإسرائيلي أفيعزر بن موحا، بعد علاقة حب استمرت أكثر من 10 سنوات، قبل أن يُعلنا عن إلغاء الزفاف في أيلول (سبتمبر) الماضي بسبب «مشاكل لم يستطيعا تخطيها»، وفق ما نقلت وسائل إعلام إسرائيلية من بينها صحيفة «يديعوت أحرونوت».
«كان التعاون مع نسرين طبيعياً وصحيحاً، وأنا سعيد بأنّني سأغني للمرّة الأولى بالعربية مع مغنية موهوبة وكبيرة مثل نسرين»، قال موشيه بيرتس عن مشروعه الجديد. أما نسرين، فوضعت هذا «التقارب» في خانة «المهنية»!
كيف يمكن لمواطنة فلسطينية يُفترض أنّها على تماس مع الممارسات الإسرائيلية الوحشية بشكل مباشر، أن تبني علاقات «طبيعية» معها، وتستمر في تلميع صورتها وأنسنتها؟ الأسباب كثيرة ومتشعّبة طبعاً، ولسنا في صدد مناقشتها الآن، إلا أنّه من الواضح أنّ نسرين قادري، ابنة مدينة حيفا، تشكّل نموذجاً عن أولئك الذين قرّروا وضع مصالحهم الشخصية في المقام الأوّل، ضاربين عرض الحائط كل الحقائق والمبادئ والتاريخ!
بعدما كانت تغنّي على نطاق ضيّق في حفلات ومناسبات محدّدة وتؤدي أغنيات طربية عربية لأسماء كبيرة مثل أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وفيروز... قرّرت قادري أن تدقّ باب الشهرة في عام 2011 عبر المشاركة في برنامج البحث عن المواهب الإسرائيلي «إيال غولان يناديكم» لتفوز باللقب في النهاية. نتيجة وجدت فيها موقع «ديلي ميل» البريطاني «نجاحاً في الاستيلاء على قلوب الإسرائيليين، بينما تتصف العلاقات بين العرب والإسرائيليين بالكره والعدائية».
من هنا، باتت تركّز على الغناء بالعبرية فيما أصدرت عام 2014 ألبوماً كاملاً بهذه اللغة حمل اسمها، لتكرّ من بعدها سبحة الأعمال التي أكسبتها شهرة أوسع، سيّما تلك التي لجأت فيها إلى العربية كذلك.
عبر استعراض سريع لمواقف هذه «النجمة» وأنشطتها خلال السنوات الماضية، يتبيّن أنّها مناهضة شرسة لمقاطعة «إسرائيل» حول العالم، إذ سبق أن اعتبرت في نص نشرته في مجلة «نيوزويك» الأميركية أنّ هذه الحركة «غير مثمرة»، كما أنّها «تضرّ بأولئك الذين يأملون في الدفع باتجاه السلام والتسامح». صحيفة «هآرتس» الإسرائيلي ثمّنت هذا التصريح بطبيعة الحال، خصوصاً أنّه «لا يسمع اجمالاً من قبل عرب إسرائيل الذين يكونون عادة متعاطفين مع القضايا الفلسطينية»! ومضت نسرين قادري في معارضتها لحركة المقاطعة من خلال الدفاع عن إقامة «راديو هيد» لحفلتها في الأراضي المحتلة في الصيف الماضي، لتقدّم هي في النهاية العرض التمهيدي قبل أن تطل فرقة الروك البديل البريطانية على الجمهور.
ولعلّ أبرز «إنجازات» صاحبة أغنية «أحب الحياة» في إطار التغاضي عمداً عن عذابات أهلها كان إحياءها العام الماضي للسهرة الغنائية التي ينظمها الإسرائيليون ضمن احتفال كبير بـ «يوم الاستقلال» (أي النكبة)، لتكون بذلك أوّل عربية تقوم بهذه المهمّة و«تحتفي» بأكبر مأساة وجريمة إنسانية في تاريخنا الحديث!