كما لو أنني ولدٌ مُـقَـنَّعٌ في ليلةِ عيد، سأَعبرُ هذه الأرضَ مِن أقصى ظلامِها إلى أقصى ظلامِها.
أمرُّ على البيوتِ كلّها، والدكاكينِ كلّها، والصوامعِ كلّها, وأقبيةِ التعاسةِ والخمرِ والطحين كلّها وكلّها، وأقرعُ الأبوابَ كلّها
أَدقُّ عليها باباً باباً، وعَـتَـبَـةً عَـتَـبَـةً، وقلباً قلباً...
أَدُقّ وأُواصلُ الدَقَّ، حتى تَدمى يدايَ، وحنجرتي، وعينايَ، وقناعُ تعاستي وقلبي.

أدقُّ فيفتحون...
يفتحون ويضحكون...
يفتحون، ويضحكون، ويسألون (يسألون كمَن لا يَعرف):
ما طِـلْـبَـــتُكَ أيّها الحاجُّ الطيّب؟...
أوَ تَطلبُ زيتاً؟ أم بُرغلاً، أم طحيناً، أم فُلوساً، أم أغنيةً، أم وردةً، أم خاتَمَ عُرسٍ، أم سُقْـيَـةَ نبيذٍ، أم سريرَ نوم؟...
لا! (سأقولُ لهم). لا!...
ما أَشحدُهُ، لا يُؤكلُ، ولا يُشرَبُ، ولا يُضَمُّ، ولا يُحمَلُ، ولا يُخَـبَّـأُ في جيبِ معطفٍ أو قرارةِ كيس.
فإذنْ!..(سيَحزنون ويسألون) ما أنتَ؟ وما حاجتُكَ أيها الغريبُ عاثرُ الحظِّ والعقل؟
أمّا أنا، لأنني لستُ حاجّاً، ولا صعلوكاً، ولا صبيّاً عاثرَ الحظِّ داشِراً في ليلةِ عيد،
فسأكتفي بأنْ أَغرسَ عينيّ في الظلام...
في أعيُـنِهم، وقلوبِهم، ومَصابيحِ ظلامِهم... وفي الظلام،
ثمّ أقولُ، أقولُ كمَنْ لا يقولُ... بل كَمَنْ يبكي:
أنا لا هذا ولا ذاك. وما أَشحدُهُ ليس هذا ولا ذاكْ.
أنا عابرُ حياةٍ خائفٌ ومغلوب
أوقَعتني حياتي على هذه الأرض
وجئتُ أَشحدُ «رَبّـاً».
11/1/2018