لا يمكن فصل اللقاء الوطني الذي نظمته أمس، «الجمعية الوطنية لمقاطعة إسرائيل» والمنظمات الشبابية و«لقاء الأحزاب والقوى الوطنية والإسلامية»، في «نقابة الصحافة» (الروشة ــ بيروت) رفضاً لمحاولات التطبيع مع العدو الصهيوني، لا سيّما على صعيد الثقافة والإعلام والفنون والاقتصاد، وتشديداً على تطبيق قوانين المقاطعة اللبنانية، عن أصداء خطاب الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله، في ذكرى أربعين فايز مغنية.
حرّك نصرالله بكلامه ملف التطبيع الثقافي مع العدو الإسرائيلي، متطرّقاً إلى ذهاب المخرج اللبناني زياد دويري إلى كيان الاحتلال، وإلى فيلم The Post للمخرج الأميركي ستيفن سبيلبرغ. فيمكن اعتبار هذا الخطاب شرارة جديدة أوقدت أعداداً هائلة من الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، وأعادت تحريك ملف بغاية الأهمية، كادت أن تطيح به أولويات أخرى. جمع لقاء الأمس شخصيات وقيادات حزبية وشعبية، ودقّ ناقوس الخطر حول تعاطي البعض في لبنان مع ملف التطبيع ــ خصوصاً الثقافي والفنّي ــ على أنّه «وجهة نظر» ويعارض «حرّية التعبير». في هذا السياق، ركّز رئيس «الجمعية الوطنية لمقاطعة إسرائيل»،عبد الملك سكرية، على موافقة وزير الداخلية نهاد المشنوق على عرض فيلم سبيلبرغ، معتبراً هذه الخطوة «دوساً على قانون مقاطعة إسرائيل، وجرحاً لشعور الشعب اللبناني الذي عانى على مدى عقود (..) لتحرير الأرض من دنس الاحتلال». وطالب سكرية المشنوق بالتراجع عن قراره، مذكّراً بأنّ «ثقافة المقاطعة جزء من ثقافة المقاومة» التي تحصّن ضد الغزو الثقافي المعادي. الجدل الأخير الذي صاحب عرض The Post في بيروت، ومحاولات التحدّي من خلال حشد جمهور لافت له بعدما أثيرت مجدداً قضية تبرّع مخرجه بمليون دولار أميركي إلى الاحتلال الصهيوني إبّان حرب تموز 2006، دفع بالكثيرين إلى الحثّ على تفعيل قرارات «مكتب المقاطعة العربية». ومن بين هؤلاء أمين عام «رابطة الشغيلة»، زاهر الخطيب، الذي اعتبر أنّ السماح بعرض هذا الفيلم «مسّاً خطيراً بالكرامة الوطنية، بعدما ردّت الكرامة للبنان»، داعياً إلى «أوسع استنفار وطني وشعبي لتفعيل المقاطعة»، وإلى وقف عرض The Post.
في السياق نفسه، اعتبر رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة»، النائب محمد رعد، أنّ «وطناً بلا قضية، يعني أرضاً مستباحة»، واستهجن ارتفاع منسوب التطبيع الثقافي مع العدو تزامناً مع تزايد انتصارات المقاومة على العدو الصهيوني، قائلاً إنّ القضية ليست اعتراضاً على فيلم، بل مسألة تسجيل موقف من المخرج الأميركي الذي «يموّل اعتداءات العدو». كما اعترض رعد على ما يحاول بعضهم فعله في الفصل بين السياسة والثقافة، مؤكداً أنّ «مقاومة التطبيع لا تمسّ بحرية التعبير»، خصوصاً وسط مناخ تحاول «إسرائيل» تعميمه لتبرير احتلالها لفلسطين. وهنا، شدّد رعد أيضاً على ضرورة «رفع مستوى حساسيتنا تجاه العدو». الحضور الإعلامي المحلّي كان خجولاً (اقتصر على lbci و«الجديد» و«المنار» و«تلفزيون لبنان»)، بعدما أسهم جزء من الميديا اللبنانية أخيراً في تضليل الجمهور عبر التركيز على «حرية الفرد في الاختيار»، مع إغفال المبلغ الذي تبرّع به سبيلبيرغ للعدو قبل نحو 12 عاماً. ركّز رئيس «المجلس الوطني للإعلام»، عبد الهادي محفوظ، على هذا الجانب، موسّعاً الحديث عن الإعلام العربي الذي يغّيب الحدث الفلسطيني عن شاشاته، و«يروّج للصهاينة» من خلال استضافتهم المتكرّرة. وأدان محفوظ غياب أي توجيه إعلامي بخصوص القضية الفلسطينية في ظل سيطرة «اللوبي الصهيوني» على الإعلامَيْن الأميركي والعالمي. بطبيعة الحال، يمثّل الشباب العنصر الأساسي لحركة مناهضة التطبيع مع الصهاينة. لذلك، يراد لهم اليوم، بفعل الحرب الناعمة والأساليب الملتوية، السير على طريق أبلسة كل مناهض للتطبيع الثقافي، لا سيّما على السوشال ميديا. هذا فحوى كلام ممثل «المنظمات الشبابية»، إيهاب المقداد، الذي أضاء على خفّة التعاطي مع هذا الملف، ومحاولات من وصفهم بـ «أشباه المثقفين» لإدانة واتهام المناهضين للتطبيع بـ «الرجعية والتخلف»، داعياً في الوقت نفسه إلى «رفع السقف» في مواجهة هؤلاء، لا بل «التشهير بهم».