في الوقت الذي تشتعل فيه الإنتفاضة الشعبية في الأراضي الفلسطينية، وتواجه الشابة ــ الأيقونة عهد التميمي عدّوها بكل شراسة مع أبناء وبنات جيلها، ناقش المخرج اللبناني زياد دويري (الصورة) منذ ساعات فيلمه «قضية رقم 23» (112 د ــ «الإهانة» عنوان النسختين الانكليزية والفرنسية) بعد عرضه في «المركز اليهودي» (JCC) في مانهاتن، قبل أن يصل إلى الصالات في نيويورك في 26 كانون الثاني (يناير) الحالي.
الشريط الذي يعود بالذاكرة إلى جراح الحرب الأهلية، سيكمل من خلال هذا العرض الأميركي مساراً تطبيعياً بامتياز، بدأ مع إنتاج فيلم «الصدمة» (2013) الذي صوّر في الأراضي المحتلة مع كادر تقني وتمثيلي صهيوني، واشتغل على أنسنة العدو انطلاقاً من رواية ياسمينة خضرا الشهيرة. دويري لم يجد حرجاً في إغفال هذه الواقعة الخطرة، أتى إلى لبنان في أيلول (سبتمبر) الماضي تزامناً مع ذكرى إغتيال بشير الجميل، لافتتاح «قضية رقم 23». أتى يومها قادماً من البندقية حيث شارك فيلمه في مهرجانها السينمائي، ونال الممثل الفلسطيني كامل الباشا جائزة «أفضل ممثل»، وسط حفاوة وتواطؤ مقصود من الإعلام اللبناني والغربي الذي صوّر دويري كـ «بطل رفع إسم لبنان عالياً»، مغفلاً هذا الجانب. والملفت هنا أنّ القنصلية اللبنانية في نيويورك، دعت في نشرة وزعتها على الجالية اللبنانية، الى مشاهدة الفيلم، غافلة أنّ «مركزاً مرتبطاً بالعدو يعرضه هو أيضاً» وفق حملة المقاطعة!
إذاً، جاء عرض «قضية رقم 23» في هذا الفضاء النيويوركي ليؤكد أنّ «انفتاح» دويري على «الآخر» ممنهج ومقصود، لأنّ أنشطة المركز الصهيوني لا ترتكز إلى الدين والثقافة والمجتمع. يضم JCC «مركز ديفيد أتش. سونابند لإسرائيل» الذي يوضح على صفحته الإلكترونية أنّه يقدّم لـ «أعضاء مجتمعنا من مختلف المعتقدات والخلفيات، منزلاً لاستكشاف ثقافي وفكري جاد لإسرائيل... نسعى إلى تعزيز حوار منفتح ومحترم بشأن القضايا الثقافية والسياسية والاجتماعية والدينية، مع تشجيع مجموعة منوّعة من وجهات النظر والآراء». ويتابع أنّه يسعى إلى «تزويد مجتمعنا بنظرة ثاقبة إلى المجتمع الإسرائيلي عبر برامج رفيعة المستوى لاستكشاف القضايا الرئيسية في الحياة الإسرائيلية، والعروض، والمعارض التي تقدم لفنانين إسرائيليين مكرّسين أو ناشئين».
هذا ليس كل شيء. الأنكى أنّ دويري يحضّر فيلماً جديداً عن إتفاقية «كامب دايفيد» (1978) بين الكيان الصهيوني ومصر. ينخرط صاحب شريط «وست بيروت» في هذا العمل ليستعيد هذه الفترة الإنبطاحية، وليسرد كما قال أخيراً لموقع «هوليوود ريبورتر» الأميركي: «ماذا يحصل وراء الكواليس إبّان عقد إتفاقيات مماثلة (...) لطالما كنت مفتوناً بما يجري خلف الأبواب المغلقة، فالسياسيون لا يقولون بالضرورة ما يحصل في الواقع»، يقول في المقابلة التي نشرت في 4 كانون الثاني الحالي. أما عن دوافعه في إنجاز هذا الفيلم الذي لا يزال سيناريو على ورق، فيقول إنّه «كانت هناك حركة دراماتيكية نشطة جداً في تلك الفترة. هناك جيمي كارتر (الرئيس الأميركي)، المسيحي المتديّن، وأنور السادات (الرئيس المصري)، المسلم التقي، واليهودي مناحيم بيغن (رئيس كيان العدو)... على الرغم من دياناتهم المختلفة، إلا أنّهم نجحوا في النهاية... وهي اتفاقية سلام ساعدت وما زالت صامدة حتى اليوم». ولفت إلى أنّه في سبيل إعداد هذا المشروع، «قرأت الكثير من السير الذاتية للحاضرين، وهناك الكثير من التجارب السينمائية والدراما الإنسانية التي يمكن العمل عليها. لقد تم تناول هذا الموضوع من زوايا مختلفة، وأحاول دراسة كل وجهات النظر للبحث في ما حدث بالفعل وراء الستار».
إذاً، اليوم زيارة إلى «المركز اليهودي» وغداً فيلم عن «كامب ديفيد»! ربّما بات لزاماً على الأصوات المدافعة عن دويري و«إبداعاته»، أن تجد صيغة جديدة لإقناعنا بأنّه غير مطّبع وغير مرتمٍ في الأحضان الصهيونية، خصوصاً أنّه يعمل على قضايا تمسّ الذاكرة اللبنانية والعربية، وتدخل «إسرائيل» مباشرةً في طياتها.