في مكان ليس بعيداً عن القصور ومربعات التسوّق وملاعب الغولف، اختار ولي عهد أبوظبي ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة محمد بن زايد آل نهيان، بناء «متحف اللوفر أبوظبي» على «جزيرة السعديات» التي اقتبست تسميتها من كلمة «السعادة». إنها للمناسبة الجزيرة نفسها التي يتسابق حكام الإمارة على تحويلها إلى بؤرة ثقافية تعليمية استقبلت فرعاً لـ «جامعة نيويورك»، فيما تنتظر افتتاح «متحف غوغنهايم» الذي واجه التأجيل لأسباب كثيرة منها انخفاض أسعار النفط والتعقيدات البنائية.
أسباب ساهمت أيضاً في تأخير تدشين المتحف الفرنسي العريق في أبوظبي الذي افتتح رسمياً أول من أمس. المشروع بدأ قبل عقد كامل، حين وقّعت حكومتا فرنسا وأبوظبي اتفاقية تنصّ على شراء الاسم لثلاثين عاماً، واستعارة نحو 600 عمل فني من «اللوفر الفرنسي» ومتاحف فرنسية أخرى مقابل ما يتجاوز مليار دولار أميركي. يحمل المتحف توقيع المعماري الفرنسي جان نوفيل الذي حاول دمج «المدينة العربية والآغورا الإغريقية» كما صرّح في مؤتمر صحافي قبل أسابيع. غرفه الـ55 تتوزّع على مساحة 24 ألف متر مربع، وتحتضن أعمالاً فنية تعود إلى حقبات مختلفة، من بينها 300 عمل إسلامي (من كل الفترات) إلى جانب أعمال لليوناردو دافينتشي، وفان غوخ وجاكسون بولوك، وصولاً إلى فنانين معاصرين مثل آي ويوي. لعلّ المشروع نموذج صارخ عن ظاهرة نزوح الفنون إلى أبوظبي ودبي وقطر برعاية رؤوس الأموال والسلطات الحاكمة للبلاد، على وقع الجنازات غير المسموعة للعمال الآسيويين الذين يبنون المشاريع ويموتون فيها. تقرر الموعد إذاً. غداً السبت سيفتتح المتحف أبوابه للناس. التسميات العامة التي أطلقتها التصريحات الرسمية تتفق على اعتباره «المتحف العالمي الأول للفن في العالم العربي»، و«جسراً لعبور الحضارة الغربية إلى الشرق»، ومنطقة الصحراء العربية تحديداً. لكنه عبور يخضع لشروط محدّدة مسبقاً، فرضتها الإمارة على انتقاء الأعمال المعروضة، أبرزها ما عبّر عنه المدير العلمي لوكالة المتاحف الفرنسية جان فرنسوا شارنييه، قائلاً: «سنستقبل لوحات عري من تلك التي تحترم ثقافة البلاد ولا تستفزّها». هكذا اختيرت لوحات من عصر النهضة تظهر نساء عاريات تغطي أوراق التوت أعضاءهن، فيما لن يتمكن الزوار من رؤية إلا نساء بيكاسو اللواتي يرتدين ثياباً. ومما غاب عن شعارات المتحف التي زجّت عناوين التعددية والتنوّع خلال افتتاحه، الانتهاكات الكبيرة التي واجهها العمال الأجانب الذين يشكّلون 90% من القوة العاملة الخاصة في الإمارات. في «جزيرة السعادة»، لقي عشرات العمال حتفهم أثناء البناء، وحرم بعضهم مستحقاته، فيما صودرت جوازات سفر آخرين بسبب احتجاجهم على الإيجارات المنخفضة. ومن لم يتمكّن من فعل شيء، استطاع الانتحار أخيراً. افتتاح المتحف الذي حضرته مجموعة من الأمراء ورؤساء الدول من بينهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وملك المغرب محمد السادس وملك البحرين حمد آل خليفة إلى جانب حاكم إمارة دبي محمد بن راشد آل مكتوم وآل نهيان، فإنها تبدو صورة مثالية لرأي الباحث الفرنسي ألكسندر كازيروني في مقابلة أجرتها صحيفة «لوموند»، إذ رأى أن ««اللوفر أبوظبي» هو نموذج عن السلطة التي تمارسها الطبقة الحاكمة في أبوظبي»، مضيفاً أن «المتحف يظهر الانفصال بين الليبرالية الثقافية والليبرالية السياسية...» مستشهداً بمحاكمة قام بها أحد رعاة المتحف الشيخ هزاع بن زايد آل نهيان لـ 94 إماراتياً ينتمون إلى «حركة الإصلاح» بتهمة التآمر على الدولة. وأشار إلى أن افتتاح ««اللوفر أبوظبي» يترافق مع تأرجح دولة الإمارات العربية المتحدة بين ملكية إنكليزية جماعية، وملكية مطلقة. ومن المثير للسخرية أن يحصل هذا الانتقال تحت اسم «اللوفر»، رمز الثورة الفرنسية».