دمشق | غيّب الموت أول من أمس في دمشق، عفيف بهنسي (1928- 2017)، مؤرخ العمارة الدمشقية، وحارس الآثار السورية، وصاحب عشرات المؤلفات في توثيق التاريخ السوري. كان الراحل أول من وضع أسس الحداثة في دراسات الفن وعلم الجمال، بعد تأسيسه كلية الفنون الجميلة في دمشق، في ستينيات القرن المنصرم، وإطلاق عشرات المتاحف في المدن السورية خلال عمله مديراً للآثار والمتاحف، قاصداً تأصيل العمق الحضاري لهذه المنطقة، والكشف عن كنوزها النفيسة، في أبحاث عميقة، كانت مرجعاً تأسيسياً لعلم الآثار والعمارة والفن، مثل «جمالية الفن العربي»، و«معجم مصطلحات الفنون» في ثلاث لغات، و«العمارة عبر التاريخ»، و«مصوّر الزخرفة الإسلامية»، و«علم الجمال عند أبي حيان التوحيدي». وكان آخر كتبه «التراث الأثري السوري» قد رصد الأهمية الاستراتيجية لسوريا باعتبارها أقدم منطقة حضارية في العالم، مقتفياً مواقع التنقيب التي اكتشفتها البعثات الأثرية، منذ الحرب العالمية الأولى، وإزاحة اللثام عن أسرار نظام الدولة الآرامي في الألف الأول قبل الميلاد، وصولاً إلى اكتشاف عدد كبير من القرى والتلال في وادي الفرات، مبيناً أن جميع المحاولات الاستكشافية في بلاد الشام لم تقدم أي دليل قاطع على أن ما ورد في التوراة كان حدثاً تاريخياً، ولم تؤكد أنّ المواقع التي وردت فيها تتطابق في وضعها وعلاقتها ببعضها مع ما هو قائم في فلسطين.

وتناول الباحث الراحل التراث الإسلامي في سوريا من خلال الفن الإسلامي والرقش العربي والزخرفة وتراث العصور الإسلامية وآثارها المنتشرة في متاحف العالم وانعكاساتها على ملامح التراث الإنساني، لا سيما في الآثار الكنسية الأوروبية. غادر عفيف بهنسي موطن الجمال في لحظة خرابه، لكنه ظل حتى أنفاسه الأخيرة يعمل على حفريات التاريخ «لتصحيحه وتحريره من الوهم والأساطير والخيال التوراتي، وجعله علماً يقوم على المدوّنات والآثار والبحوث العلمية المحضة». وسيدفن هذا العلّامة الدمشقي اليوم السبت، في مقبرة الشيخ رسلان في دمشق.
سنعبر الشارع الذي يحمل اسمه في حي الشعلان الدمشقي، ونحن نستعيد فضائله على التاريخ وعلم الجمال والآثار، مطمئنين إلى أنّ هذه الأرض الخراب، ستنهض مرّة أخرى، كما كانت تفعل حقبةً وراء أخرى.