يلاحظ المتابعون للشأن اللبنانيّ سعياً رسمياً وإعلامياً دائماً للترويج للبنانيّين «ناجحين» مهنياً. وهذا الترويج يدور حول غرضيْن:
ــ الأوّل: استغلال السلطات نجاحاتٍ فرديّةً لم تُسهم هذه السلطاتُ فيها بتاتاً. والهدف هو التغطية على فشلها الذريع في توفير أدنى شروط النجاح للمواطنين اللبنانيين داخل بلدهم.

ــ الثاني: تغذية إيديولوجيا ترى في بعض اللبنانيين «مَقْلعاً» نادراً للتفوّق، تفتقر إليه كثيرٌ من شعوب العالم، ولا سيّما الشعوبُ العربيّة المجاورة.
الحلقة الجديدة، في سلسلة الترويج هذه، حفلٌ نظّمتْه Liban Post منذ مدّة، برعاية رئيس الحكومة اللبنانيّة، في خليج الزيتونة (Zaitunay Bay) في بيروت، للكشف عن تخصيص طابعٍ بريديّ تكريميّ لمهندسٍ ورجل أعمالٍ مشهورٍعالميّاً هو كارلوس غصن.
لكنّ غصن هذا، لم يَسأل، وهو في أوج نجاحه المهنيّ، عن القانون اللبنانيّ، وتحديداً قانون مقاطعة «إسرائيل» الصادر سنة 1955، حين زار الكيانَ الصهيونيّ سنة 2008، والتقى رجالَ أعمالٍ وسياسيّين إسرائيليّين، على رأسهم مجرما الحرب شيمون بيريز وإيهود أولمرت، من أجل تمكين هذا الكيان، عبر ائتلاف Nissan-Renault، من أن يصبح رائداً في مجال استخدامِ السيّارة الكهربائيّة. وقد أقرَّ المسؤولون الإسرائيليّون بما لهذا التمكين من تعزيزٍ لأمن الكيان الاقتصاديّ، إذ يخفِّف من اعتماده على استيراد النفط والغاز الطبيعيّ.
مسيرةُ كارلوس غصن المهنيّة ناجحةٌ بلا شكّ. وكان يمكن اعتبارُ زيارته إلى كيان العدوّ مجرّدَ «زيارة عمل»... لو لم يكن غصن لبنانيّاً، وينبغي ــ من ثمّ ــ أن يَخضع لأحكام القانون اللبنانيّ، بغضِّ النظر عن أيّة جنسيَّةٍ أخرى قد يحملها. وعليه، تلفت حملةُ المقاطعة في لبنان إلى خطورة هذا التكريم الرسميّ وتداعياته في المستقبل.
رُبَّ قائلٍ إنّ هذا التكريم قد يشجِّع كارلوس غصن على الاستثمار في لبنان، وعلى وضع خبراته في خدمة الاقتصاد اللبنانيّ. لكنْ، هل من المقبول، أو «الطبيعيّ»، تكريمُ مستثمرٍ ضربَ القانونَ اللبنانيّ في صميمه بزيارته لدولة العدوّ، لمجرّد أنّه «ناجح» و«مشهور عالمياً»؟ وهل النجاح والشهرة أهمّ من النزاهة والالتزام الوطنيّ بقانونٍ لمقاطعة عدوّنا التاريخيّ؟ وكيف يتحوّل نجاحٌ مهنيٌّ لشخصٍ ما إلى نجاحٍ لبلده بأجمعه، على الرغم من عقد ذلك الشخص صفقاتٍ اقتصاديّةً مع بلدٍ عدوّ؟
هنا، لا بدّ من مساءلة أصحاب القرار في هذا التكريم، علماً أنّها ليست المرّةَ الأولى التي يُكرَّم فيها رسمياً أشخاصٌ لبنانيّون
لا إجماعَ وطنياً عليهم. كما نتساءل: ألا يجد المسؤولون مبدعين لبنانيّين آخرين، أهلًا للتكريم، من داخل لبنان أو من خارجه، ولا غبارَ على مواقفهم الوطنية من «إسرائيل»؟ ألا تفوحُ من بعض هذه التكريمات، ومن هذا الطابع البريديّ بالذات، رائحةُ التساهل مع التّطبيع؟


بيروت في 27/10/2017