ثبّت مجلس الأمناء واللجنة التنفيذية في مركز «دراسات الوحدة العربية» في بيروت، في اجتماعين منفصلين السبت والاحد، استقالة الرئيس التاريخي الدكتور خير الدين حسيب. وجرى قبول الاستقالة من جميع المسؤوليات الإدارية والتنظيمية والمالية في المركز، على ان يكتب حسيب في العدد المقبل من مجلة “المستقبل العربي” مقالة يعلن فيها الاستقالة رسميا، علما انه ابلغ اصدقاء له انه قرر الاستقالة ايضا من عضوية المؤتمر القومي العربي واعتزاله العمل العام.
وكانت اللجنة التنفيذية قد عقدت في 15 أيلول الماضي جلسة بحضور حسيب، وتم التوافق على تخلّي خير الدين حسيب عن كل مسؤولياته في المركز، وأن تواصل الفلسطينية الدكتورة لونا أبو سويرح إدارة المركز، وهي التي تولت هذه المهمة في أيار الماضي. وأبلغ حسيب المجتمعين أنّه قرر أيضاً اعتزال العمل العام بكامله. واتفق على أن يصار إلى تثبيت النتائج وإقامة حفل وداعي في وقت لاحق.
المركز، الذي يمثّل موقعاً بارزاً في الحركة البحثية والفكرية العربية، كان وليد فكرة اجتمع عليها قوميون عرب تلاقوا على فكرة إقامة مؤسسة من طبيعتين: مركز بحوث ودار نشر، كلاهما مكرّسان لخدمة الفكرة القومية وتنشئة أجيال تعتنقها بالعقل، لا بالوجدان فحسب. كان ذلك عام ١٩٧٥، وكان مقر المؤسسة المبدئي في الكويت، والاسم الذي أطلق عليها دالّ: مركز دراسات الوحدة العربية.
ضمت المجموعة أسماء وازنة سمعةً ودوراً، منهم: برهان الدجاني ويوسف الصايغ ووليد الخالدي وعبد المحسن قطان وطاهر كنعان وأنطون زحلان وناجي علوش وبشير الداعوق وسهيل ادريس ونديم البيطار وجوزيف مغيزل وهشام نشابة وعبدالله عبد الدايم وهاني الهندي وعبدالله الطريقي وعلي فخرو وجاسم القطامي ومانع العتيبة وعبد اللطيف الحمد ومنصور الكيخيا ومحمد الميلي وعبد القادر غوقة وعبد العزيز الأهواني وجمال أحمد وشفيق ارشيدات وسعيد العطار وسعدون حمادي و... خير الدين حسيب.
وباعتبار بيروت حاضنة الفكر والكتاب، فقد انتقل مقر المركز إليها عام ١٩٧٨، وكان إنتاجه غزيراً، نافس بالندوات والمطبوعات والكتب بقية مراكز البحوث ودور النشر في العالم العربي. وقد تولى خير الدين حسيب إدارة المركز، بعد تقاعده من منظمة «الاسكوا» مطلع الثمانينيات، ثم جمع منصبي رئاستي اللجنة التنفيذية ومجلس الأمناء، ومع الوقت، صار هو والمركز صنوين.
مضى عقدا الثمانينيات والتسعينيات والمركز يعزّز حضوره عند جمهور القارئين والمثقفين والمهتمين بالشأن العام في كل العالم العربي؛ كتبه في الصدارة نوعاً ومبيعاً، منشورات رسائل الدكتوراه عنده تفسح لأصحابها فرص تعرّف ثمينة. وحظي المركز طوال الثمانينيات بدعم من العراق والكويت معاً، لكن الحامل الأساس للمركز كان إنتاجه. ومع دخول العرب نفق الحروب المدمرة منذ عام ١٩٩٠، خسر المركز هذا الدعم، كما خسر سوقي بغداد والكويت.
طوال التسعينيات، كان الحديث يتركز على مشكلات مالية تصيب المركز، لكن أول أزمة كبيرة أصابته كانت في عام ٢٠٠٧. يومها بادر أمير قطر السابق حمد بن خليفة إلى مد يد العون بمنح المركز ثلاثة ملايين دولار، أضيفت إلى نحو مليون دولار جُمعت من متبرعين.
وبدلاً من أن تكون حصيلة الملايين الأربعة رافعة وانطلاقة جديدة، بقيت الأزمة كبيرة، وانتقل معها الحديث عن تضارب في وجهات النظر حول طريقة إدارة المركز، وتعرض حسيب لانتقادات بسبب قرارات اعتُبرت خاطئة سواء لجهة الإدارة أو الاستثمار أو الاقتراض أو سياسة النشر. وفي هذه الفترة، اتفق على إدخال دم جديد إلى إدارة المركز، لكن المحاولات فشلت وكان ابرزها مع زياد الحافظ وعزمي بشارة وكمال خلف الطويل.
في السنوات السبع الماضية، وعلى أثر ما شهده العالم العربي، أقفلت أسواق سوريا وليبيا واليمن والسودان، وتراجعت قوة أسواق مصر والعراق وتونس والأردن ولبنان، لنخلص إلى نتيجة أن فعلاً كبيراً صار ضرورياً لانتشال المركز من عثرته. وهو ما دفع أعضاء في اللجنة التنفيذية ومجلس الأمناء إلى التداعي مراراً وتكراراً لعقد اجتماعات، ثم لإدارة مناقشات مع حسيب دون الوصول إلى تفاهمات على تغيير شامل. وكان اللوم يكبر على حسيب جرّاء تراجع الأداء العام وسوء الوضع المالي، وتراكم الديون، وصولاً إلى أن ثلاثة مديرين عامين أصلاء لم يطيقوا صبراً في مناصبهم إلا لما مجموعه سنة ونصف سنة.
(الأخبار)