القاهرة | إنّها المرة الأولى التي يحمد فيها مثقفو مصر الله على رحيل عميد الرواية العربية نجيب محفوظ (1911 ــ 2006). فلو كان بينهم الآن، لكان مصيره السجن يزامل الكاتب والروائي أحمد ناجي في زنزانة «خدش الحياء» العام.
ليست هذه فانتازيا، بل هو تصريح واضح ومباشر لبرلماني مصري يُدعى أبو المعاطي مصطفى، عضو اللجنة الدستورية والتشريعية في مجلس النواب المصري الذي قال أوّل من أمس: «لو كان نجيب محفوظ بيننا الآن، لوجبت محاكمته على احتواء رواياته خدشاً للحياء العام». أما مناسبة هذا الحديث، فهي أثناء مناقشة اللجنة البرلمانية طلباً تقدّم به عدد من النواب لتعديل مواد قانون العقوبات، وإلغاء المواد التي تجيز الحبس في قضايا «النشر الخاصة بخدش الحياء العام».
النائب كان رافضاً لإلغاء تلك المواد، معتبراً أنّها «حصن أمان للمجتمع»، فردّ عليه النائب أحمد سعيد النواب بسؤال حول إذا ما يعتبر أنّ روايات «قصر الشوق» و«السكرية» لنجيب محفوظ تتضمّن خدش حياء عام؟ فأجاب أبو المعاطي بكل حسم: «أيوه فيهم خدش حياء ونجيب محفوط يستحقّ العقاب بس محدّش وقتها حرّك الدعوى الجنائية». الغريب أنّ معظم النواب الذين حضروا الاجتماع لم يعترضوا على ما قاله النائب، باستثناء ثلاثة فقط، قبل أن تصوّت اللجنة في النهاية على رفض التعديلات والإبقاء على المواد التي تُجيز الحبس في قضايا خدش الحياء العام.
مبرّرات النواب حوّلتهم من ممثلين للشعب إلى أعضاء في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فقد ثار جدل في اللجنة حول تعريف مصطلح «خدش الحياء»، وأكّد عدد من الأعضاء أنّه فضفاض ولا يوجد تعريف مُحكم له، وهو ما حوّله إلى نصّ يسمح بمحاكمة المبدعين على ما يكتبونه. في غضون ذلك، اعترض نوّاب آخرون، من بينهم النائب مصطفى بكري، على المطالبات بعدم الحبس في قضايا النشر الخاصة بخدش الحياء، إذ قال بكري إنّ هناك فرقاً كبيراً بين العمل الإبداعي و«الكتابة كفعل فاضح»، مضيفاً: «نحن نعرف مجتمعاتنا جيّداً ونعرف تقاليدها. إما أن نحافظ على المجتمع وقيمه وإما أن نفرّط في ثوابتنا ونسمح بهذا العبث المسمّى إبداعاً». نائب آخر قال إن التعديلات ستُعطي الحقّ للمرأة في «أن تنشر صورها عارية»، وأكّد أن التعديلات المطروحة «ضدّ الأخلاق والآداب العامة». النائب أبو المعاطي مصطفى كان من الفريق الأخير.
هذا الرأي الذي قيل في البرلمان لا يمكن فصله عن الواقع العام الذي تعيشه مصر حالياً كامتداد لعصر الصعود الإسلامي بعد ثورة 25 يناير 2011. هذا الخطاب الذي يُهاجم الأدب، هو نفسه الذي تصدّر في فترة حكم الإخوان المسلمين، وقيل على الشاشات وقتها إنّ روايات محفوظ فيها إباحية وكفر، وثارت الدنيا على تلك التصريحات وقتها. غير أنّ هذه المرّة يبدو أن الأمر سيمرّ مرور الكرام. إذ بات من الطبيعي أن تقيّد حرية الرأي والتعبير، بل واقعة حبس الكاتب أحمد ناجي لا تزال شاهدة على تحوّل القضاء المصري إلى مطاوعة. كما أنّ معظم وسائل الإعلام لم تتحرّك دفاعاً عن ناجي، بل استضافت من يرون أنّه بالفعل كتب ما يخدش الحياء العام ووجبت معاقبته وحبسه لنشره فصلاً من روايته «استخدام الحياة».