ذلكَ ما حدثَ غداً/ ذلك ما حدثَ يومَ أمس/ ذلك ما حدثَ في كلِّ موضِعٍ ويومْ:المقهى الذي غادرتُهُ قبلَ دقيقةٍ واحدةٍ لا أكثر (وفي روايةٍ أخرى: المقهى الذي تَأَخّرتُ عن موعدي فيهِ دقيقةً واحدةً لا أكثر)... قد تَـمَّ تَفجيرُه.

عمليّاً: أنا ميْتْ.
مِن حَقِّ الرُّواةِ والشهودِ أنْ يُؤكِّدوا أنني، في كلتا الحالتين، لم أكن واحداً مِن القتلى. وأنّ دقيقةً كاملةً (ستينَ ثانيةً بكاملها/ قبلَ وصولي أو بعدَ مغادرتي) كانت كافيةً لأنْ أَخدعَ الموتَ، فأجعلَهُ يُخطئُ في الوصولِ إليَّ... لا أقلَّ مِن ستّينَ ثانيةً كاملة: ستّينَ ثانيةً ثمينةً مِنَ الأبديّةْ.
كيف لي إذاً أنْ أشرحَ لهؤلاء، فيما هم يَرونني بينهم، أنّ آثاري (آثاري الحقيقيّةَ أو الافتراضيّة)، وبقايا ظلالي على الطاولةِ والكرسيّ, وضوضاءَ أحلامي، ولُهاثي، وزَوَغانَ نظرتي، وأصداءَ كلماتي وصمتي، وأعقابَ سجائري التي (دَخّنْـتُها أو لم أُدَخِّنها)، والحثالةَ الفاترةَ لفنجانِ قهوتي الذي (شربتُه أو لم أشربهُ)، وقلمي، وأوراقي، وصحيفةَ نهاري...، كلّها كلّها قد طارتْ وتَبَدَّدَتْ في عاصفةِ النارِ والدخان، كما كان يمكنُ لأشلاءِ عظامي ولحمي وأحلامي أنْ تطيرَ وتَتَـبَدّد؟
نعم: أنا ميّت.
مَنْ يُحسنِ القراءةَ، قراءةَ الفواجعِ والمصادفات، سيُبصِر أشلائي مُبَعثرةً في الزوايا, بين حطامِ المقاعدِ والأواني، وأشلاءِ لحومِ وعظامِ الموتى. وسيفهمُ أنني، وإنْ كنتُ أتَراءى له حيّاً, لستَ -في نظر الحياةِ ونفسي- إلاّ واحداً مِنَ... الناجِين.
: أنا ميت.
أنتم الذين تَقفون إلى جانبي الآنَ
وتُشارِكونني دقيقةَ الصمتِ على أرواحِ مَن هلكوا, وذَرْفَ الدموعِ, ووضْعَ الأزهارِ في هذا الموضعِ الذي كانَ مَقهايَ ومَقهاهم،
تَذَكَّروا! تَذَكّروا وصَدِّقوا
أنني مجرَّدُ ناجٍ مِنَ الموت،
وأنني إنّما جئتُ مثلَكم
لأُشَيِّعَ ما بقيَ مِن أشلائي
وأُشارِكَ في ذرفِ الدموعِ والأزهارِ على ضريحِ نفسي.
22/1/2017