لا يعلم صلاح صلوحة - أشهر بائع كتب أرصفة في دمشق - ما هو مصير مستودع كتبه في حي «الحجر الأسود» جنوب العاصمة. كان «ورّاق دمشق» مطمئناً إلى كنوزه من الكتب والمجلات والوثائق النادرة، إلى أن احتل التكفيريون الحيّ، فهرب بثيابه من دون أن يتمكّن من إنقاذ أرواح أسلافه.
هكذا انتهى إلى بسطة متواضعة تحت جسر الرئيس كشريك لبائع آخر. مجلات قديمة محتجبة، وكتب تراثية ومعاجم، ونظرة أسى. يقلّب بين يديه كتباً يغطيها الغبار، ومجلات بتواقيع كتّاب راحلين، قبل أن يؤكد رفضه اقتناء كتب «معفّشة». علاقته مع المجلات بدأت باكراً، إذ كان والده صاحب عربة لبيع الحلوى يرسله لشراء المجلات المستعملة للفّ الهريسة، لكنه في أوقات الاستراحة ينكبّ على قراءة هذه المجلات، إلى أن أصبح موزعاً لمنشورات «دار الصياد» البيروتية، عند شارات المرور في شوارع بيروت، إثر خلاف مع والده. باشتعال الحرب الأهلية في لبنان، عاد إلى دمشق مرّة أخرى، مستعيداً علاقته مع الكتب والمجلات القديمة، بالإضافة إلى صداقات عميقة مع معظم مثقفي دمشق ممن يفتشون عن نفائس الكتب المفقودة. لا يخفي صلاح صلوحة استياءه من منافسة الكتاب الالكتروني، وموقع غوغل لجمهوره من القرّاء، إلا أنه، في المقابل، يراهن على انتصار الكتاب الورقي، في نهاية المطاف، رغم أنه انتسب أخيراً إلى موقع الفايسبوك بصفحة تعتني بالكتب والقراءة. من شارع الصالحية، حيث كان يفترش الرصيف كل يوم جمعة، إلى جسر الرئيس، رحلة طويلة قطعها هذا الورّاق السبعيني الذي سنتذكر صورته في فيلم «الليل» للمخرج السوري محمد ملص، وهو يهتف في مظاهرة، أو كومبارساً في عمل تلفزيوني، أو مشاركاً في معرض للتوثيق الوطني. نسأله أخيراً، هل ستعود إلى «الحجر الأسود» للاطمئنان على مستودع الكتب؟ يجيب ساخراً: «لا أعلم. أقيم الآن في بيت العائلة، وقد أطلقت عليه اسم «فندق الورثة» نظراً إلى الزحام، وربما سأكتب رواية عن حياتي التي انتهت في فندق».