قبل أربع سنوات، توقّفت تريشا براون (1936 ــ 2017) عن تصميم رقصات فرقتها «تريشا براون للرقص»، حين تضاعفت نكساتها الصحية. هكذا بقيت الراقصة والكوريغراف الأميركية تعمل حتى السابعة والستين من عمرها، قبل رحيلها في تكساس، أول من أمس، عن ثمانين عاماً.
خسر العالم أحد أهم ملهمي الرقص المعاصر، وفنون الأداء في العالم، بعدما اقتحمت فضاء الرقص الحديث في نيويورك الستينيات. خلال السبعينيات، شكّلت تجربتها نموذجاً صارخاً للتداخل بين مجتمع رقص ما بعد الحداثة في نيويورك، وبين أنماط فنية أخرى مثل موسيقى فيليب غلاس المينيمالية، وأعمال أون كوارا المفاهيمية. في تلك الفترة، أسهمت براون بشكل فعال في ترسيخ فنون الأداء كجزء أساسي من الفنون المعاصرة، كما أسهمت في إعادة تعريف هذا الفن، متأثرة بأفكار وتأملات الكوريغراف الأميركي الطليعي ميرس كنينغهام حول الفضاء والوقت والتكنولوجيا. لم تستسلم تريشا لمسلّمات الرقص وحدوده. جنحت نحو التجريب، كما اقترحت لغة حركية جديدة. انتقلت إلى نيويورك لدراسة تأليف الرقص وبنائه مع روبرت دَنّ، وشاركت في إطلاق Judson Dance Theater عام 1962 التي جمعت فنانين مختلفين تفرغوا لاكتشاف ممارسات حركية أكثر تنوعاً بعيداً عن المشاعر الفائضة للرقص الحديث، وعن تجريد ميرس كنينغهام في ذلك الوقت. أسست أيضاً Grand Union Collective و Trisha Brown Dance Company عام 1971، التي بقيت تعمل معها حتى نهاية حياتها.
أخذت براون رقصاتها إلى أماكن جديدة، بعيداً عما اعتادته العروض الراقصة، كذلك تركت للحركة وحدها كل المساحة، مقابل التخلي عن الموسيقى والإيقاعات. قبل أن يخرج مصطلح «ما بعد الحداثة» بشكل رسمي، أنجزت تريشا عروضها «مشي على الجدران»، و«مقطوعة السطح» و«تراكم» في أوائل السبعينيات. في «مشي على الجدران»، مشى الراقصون المعلقون بالحبال على الجدران أفقياً، وفي «مقطوعة السطح»، وزّعت راقصيها الـ 12 على 10 أسطح في سوهو البريطانية، فيما أخرجت من عرضها «تراكم» جملاً حركية مكررة ومعقّدة. كانت تلك الفترة أشبه بمختبر أوّل وصفت أعمالها خلاله بــ «الهياكل الجزيئية غير المستقرّة» أي تلك الرقصات المفاهيمية التي صنعت جسد نيويورك الستينيات والسبعينيات. في أواخر السبعينيات، ذهبت براون نحو المسرح والاستعراض، مما أكسبها شهرة عالمية أوسع حين عملت مع مصممين وموسيقيين متنوعين. وحين سئلت عن سبب تخليها عن الأعمال الحركية الصامتة، أجابت: «لقد سئمت من سماع السعال اللعين» خلال العروض. هكذا أطلقت تجربة تكاد تختلف تماماً عن بداياتها المتمرّدة على العروض التقليدية. صارت تقدّم عروضها على أهم المسارح العالمية في لندن باريس، قبل أن تدشّن علاقة جديدة مع الفرنسيين ومع الموسيقى الكلاسيكية مع «أوبرا باليه باريس» التي صممت لها رقصات عدّة.