مساء الأحد، تطل المغنية الجزائرية سعاد ماسي (1972) مجدداً في «ميوزكهول» ضمن أنشطة مهرجان «ليبان جاز». في أمسيتها البيروتية، ستغني دعماً أيضاً لجمعية «توحيد شبيبة لبنان»، مقدّمة مجموعة من أغنياتها القديمة والجديدة. جدول حفلات ماسي مكتظ بالمواعيد. في شهر آذار (مارس) وحده، تتنقل ذهاباً وإياباً بين فرنسا واسطنبول وتقدّم ما بينهما حفلتها في بيروت. في نهاية صيف 2015، تعرّف الجمهور اللبناني الى الديفا الجزائرية حين قدّمت حفلة في «ميوزكهول» (الواجهة البحرية) في الهواء الطلق، لقي إقبالاً كبيراً، فاضطر بعضهم الى الانتظار خارجاً حتى اللحظة الأخيرة من أجل تأمين بطاقة لحضوره. واكتشفنا أمامنا فنانة مرهفة متكاملة، تعيش موسيقاها وأغانيها بصدق، تعطي كلّ ما لديها على المسرح، سواء تعلّق الأمر بالطاقات الصوتية أو بطريقة تحرّكها على المنصة. تطلّ ماسي في كل حفلاتها وبرفقتها آلة الغيتار التي تبدّلها مراراً بحسب متطلبات كل أغنية.

عاشت ماسي في أجواء موسيقية منذ طفولتها، لكنها لم تعرف أول نجاحاتها إلا بعدما تركت الجزائر وانتقلت للعيش في فرنسا. هناك، أصدرت ألبوم «راوي» (2001) الذي تحوّل ظاهرة عالمية، بفضل الأغنية التي تحمل العنوان نفسه.
الأغنية يرتقبها الجمهور في كل حفلات ماسي، وهي مبنية على نص كتبته في عمر الـ17، حين كانت لا تزال مراهقة تهاب الحرب ولا تريد الخروج من الطفولة. الاهتمام الكبير بموسيقى الكاونتري الأميركية والروك كان طريقتها الخاصة في التمرّد على واقعها والخروج من دائرة موسيقى الشعبي التي تعرّفت إليها باكراً. سرعان ما انضمت الى فرقة «أتاكور» للروك، فكانت تلك أولى خطواتها الجريئة في عالم الفن. فالفرقة عُرفت بأدائها أغنيات ذات مواضيع سياسية. وهكذا، اضطرت المغنية الى الانتقال للعيش في باريس بحثاً عن نوع من الاطمئنان بعيداً من التهديدات بالقتل التي تلقتها ولم تردعها من جهة أخرى عن الغناء.
كثرت النجمات اللواتي شُّبهت بهنّ ماسي، لعل أبرزهن ترايسي تشابمان. لكن الحقيقة أن ماسي لا تشبه إلا نفسها، وقد نجحت في تكوين شخصية فنية فريدة لنفسها أكان بخياراتها الموسيقية أو بطريقة أدائها أو صوتها الناعم. ورغم غنائها باللغة العربية، إلا أنّها محبوبة في أوروبا وفرنسا بوجه خاص. النبض الموجود في أغنياتها يكاد يكون اللغة الوحيدة بالنسبة إليها، فتجيد إيصال كلماتها ومعانيها ببساطة ورقة وصدق الى أذن المستمع الذي يشعر بها ويفهمها من دون حاجة الى إتقان اللغة. تمزج في ألحانها بين أصولها الجزائرية البربرية وتأثيرات الروك والريغي.
أصدرت أحدث ألبوماتها عام 2015، تحت عنوان «المتكلمون». في هذا العمل، تنتقل الى مرحلة جديدة من فنّها. بعد إصدارها عدداً من الألبومات الناجحة التي تناولت مواضيع سياسية وتيمات الحب والفقدان، استقت في ألبومها الأكثر حداثة من نصوص شعراء عرب اختارتها من حقبات تاريخية مختلفة وتمتد على نحو 6 قرون، من المتنبي إلى التونسي أبو القاسم الشابي. أرادته حربها الخاصة على الإرهاب بتسليطها الضوء على محطات مضيئة من الثقافة الشعرية العربية، خصوصاً أنها مولعة بالشعر وبالمغنين الذين يمنحونه مساحة كبيرة في أغنياتهم مثل ليونارد كوهين. الأخير كان له تأثير بارز في تكوين هوية ماسي الموسيقية. تلك النصوص قد تكون معقدة وصعبة الإدراك أحياناً، عرفت كيف تمزجها من ناحية أخرى بألحانٍ سلسة. وكانت قد قدّمت مجموعة من تلك الأغنيات الجديدة في حفلتها السابقة في لبنان، كاشفة عن استعدادتها الدائم للغوص في عوالم أخرى مختلفة في كل تجربة جديدة تقوم بها.

* سعاد ماسي: 21:00 مساء غد الأحد ـــ «ميوزكهول» (ستاركو) ـ للاستعلام: 01/999666