رام الله | على الطريق الواصل بين مدينتي سلفيت وقلقيلية وسط الضفة المحتلة، وعلى بعد 20 كم من مدينة نابلس، تمتد أكبر محمية طبيعية في فلسطين. إنها وادي قانا أو «الأرض العذراء»، كما أسماها المستوطنون في إعلاناتهم المنتشرة على مدخل الوادي والمناطق المجاورة له.
تمتاز هذه المنطقة بالتنوع الحيواني والنباتي والمائي، إضافة إلى وجود عشرات مزارع الحمضيات، لكن هذا الجمال الخلاب لوادي قانا تعكّر صفوه سبع مستوطنات وبؤر استيطانية أقامها الاحتلال على قمم جبال الوادي، لتحاصره من جميع الجهات. وأبرز تلك المستوطنات: «ياكير» و«عمانوئيل» و«نوفيم»، إضافةً إلى ما يُطلَق عليه تجمع مستوطنات «شمرون» الذي يضم «قرني شمرون» و«جعفات شمرون» و«جينات شمرون» وغيرها. يقول رئيس بلدية «ديراستيا» سعيد زيدان، لـ«الأخبار»، إن معاناة وادي قانا مع الاستيطان بدأت منذ احتلاله عام 1967. في عام 1983، أدرج الوادي تحت تصنيف «محمية إسرائيلية طبيعية»، على مساحة تقارب نحو 14 ألف دونم، سماها «ناحل كَنيه». منذ ذلك الوقت، ازدادت معاناة المزارعين الفلسطينيين في إطار سياسات منهجية تهدف إلى تهويد الوادي وإفراغه من مزارعيه وزائريه. ووفقاً لزيدان، فإن الوادي يشكّل مزاراً استجمامياً لأهالي القرى والبلدات العربية المحيطة به، لكن في المقابل «يتوافد عشرات المستوطنين للوادي ويعكّرون صفاء أجوائه، فهم يعتبرون المنطقة مقدسة ومباركة، ولا أحقية لأحد غيرهم فيها، كما أن آلاف المستوطنين ينظمّون مسيرةً في يوم محدد خلال فصل الربيع من كل عام». وفي مشهدٍ يعكس ازدواجية المعايير، يؤكد رئيس البلدية أن السلطة الفلسطينية ممنوعة منذ سنين من تعبيد الطريق الرئيسية الواصلة بين مدخل الوادي ووسطه، أو حتى رصفه بـ«البسكورس». في مقابل ذلك، يوفّر العدو المتطلبات للمستوطنين بغرض الوصول إلى الوادي، كتعبيد شارع بمسافة كبيرة يمتد من مستوطنة «قرني شومرون» وصولاً إلى وسط الوادي.
وجاء تصنيف الوادي كمنطقة «ج» (تخضع أمنياً ومدنياً لسلطة الاحتلال) وفق «اتفاق أوسلو»، وكمحمية طبيعية إسرائيلية، ليفاقم معاناة المزارعين في الوادي، ويعطّل أي مشاريع زراعية فلسطينية داخله. ويقول مزارعون لـ«الأخبار» إنهم بسبب هذا التنصيف ممنوعون من زراعة الأشجار وبناء الجدران الاستنادية أو إقامة السياج الحديدي لحماية المزروعات، لأن ذلك يعتبر تغييراً في معالم المحمية الطبيعية وفق قانون الاحتلال.
حتى في التسعينيات، كانت مياه الصرف الصحي من المستوطنات تُغرق أراضي الوادي، واستمرت مشكلة المياه العادمة عشرين عاماً إلى أن انتهت في 2006. ومن حين إلى آخر، تنساب المياه الآسنة من المستوطنات لنشر الروائح الكريهة ومنع الفلسطينيين من زيارة المكان.
وأخيراً، استحدث الاحتلال أسلوباً ثابتاً يشمل قطع آلاف الأشجار دفعة واحدة كل شهرين أو ثلاثة. كما يلجأ المستوطنون إلى إتلاف محركات ضخ المياه الخاصة بالمزروعات عبر رش السكر فيها، وتقطيع أنابيب الري البلاستيكية، وحرق المزروعات بالمواد الكيميائية.
في هذا السياق، يؤكد مدير الزراعة في سلفيت، إبراهيم الحمد، أن الاحتلال يُجيّر قانون المحمية الطبيعية لمصلحة «أسرلة» الوادي، وللتنغيص على المزارعين، مضيفاً: «الاحتلال يلتقط تصويراً جوياً للوادي دورياً، ليتأكد من عدم زراعة الفلسطينيين أراضيهم أو محاولة استصلاحها... في المقابل، يسمع المزارعون أصوات مناشير المستوطنين وهي تقطع الأشجار الحرجية من قمم جبال الوادي». وعن دور الجهات الرسمية الفلسطينية في دعم المزارعين، يشير الحمد إلى أن مديرية الزراعة تدعمهم بالأدوات الزراعية وبالأشتال وبالندوات التوعوية للتغلب على العجز عن التغيير في معالم الأرض واستحالة جلب مشاريع زراعية تنموية.
مع ذلك، يعرب منسق «اتحاد الشباب الفلسطيني في ديراستيا»، ياسر عوض، عن انزعاجه من ضعف حركة المواطنين في الوادي مقارنةً بجماله والحاجة الملحة إلى الحضور الفلسطيني فيه، ويعزو ذلك إلى ضعف السياحة الداخلية بسبب غياب المرافق العامة والبنية التحتية الملائمة للرحلات. رغم ذلك، لا يُمكن إغفال دور ناجح نسبياً لمبادراتٍ شبابية ومؤسساتية عملت على تنظيم رحلات إلى هناك. يذكر أنّ وادي قانا أنموذج عن الأراضي الرازحة تحت نير الاستيطان وكانت محط أنظار الاحتلال منذ قدومه، إذ تم تصنيف معظم المعالم الأثرية والموارد الطبيعية ضمن منطقة «ج» بعكس المناطق الفلسطينية المجاورة لها، وكل ذلك جزء من سياسة انتهجها الاحتلال في قرصنة هذه المناطق تمهيداً لتهويدها وتزييف تاريخها الحقيقي.