قبل عشر سنوات، رسم وادي الحجير مشهداً متتماً لتاريخ جبل عامل. هنا بؤرة لدبّابات الميركافا الصهيونية حوّلها المقاومون إلى خردة في عدوان تموز 2006. وهناك دماء شهداء سالت تحت جذوع الشجر، زادت أحراج الوادي خصوبة. اندحر العدو، كاشفاً كنزاً أخضر أخفاه الاحتلال طوال 22 عاماً والنسيان في السنوات الست اللاحقة. في الوادي الممتد من نهر الليطاني عند قعقعية الجسر حتى وادي السلوقي عند أعتاب ميس الجبل، كانت أطياف مؤتمر الحجير ومقاومة أدهم خنجر ورفاقه ضد الانتداب الفرنسي ودماء الشهداء من المقاومة الفلسطينية والوطنية والإسلامية، الزوّار الوحيدين في وحشة الليل والنهار. انغلق الحجير والسلوقي، امتداده الطبيعي، على أطياف شهدائه (نحو ألفي شهيد من 1920 حتى تموز) وكثافة أحراجه. بعد عدوان تموز، تفتقت الحياة من دمائهم. عمِل اتحاد البلديات الواقعة على ضفافه على شق طريق رئيسية وإنارته. الينابيع المتدفقة وظلال الأشجار المعمّرة باتت مرتعاً للزوّار والمستثمرين للتنزّه وافتتاح مقاهٍ ومطاعم. وضبطاً لفلتان الاستثمار، أسس الاتحاد «محميّة وادي الحجير» الطبيعية. في بعض المطاعم، نُظمت الأعراس الصاخبة. حرية التحرك في الوادي سمحت للبعض بالتسلق ولآخرين بشيّ اللحوم وشرب الكحول. أهل الوادي الذين يراقبون الحركة في غماره من المرتفعات، روّجوا لاستخدام حياتي جديد. ولأنّ في الفن الملتزم حياة تليق بأطياف الشهداء المعشّشة في كل جانب، أطلق الاتحاد و«الجمعية اللبنانية للفنون ــ رسالات» مهرجان وادي الحجير الفني.
في تصوّرها للمشروع، وجدت «رسالات» أن المهرجان الفني والسياحي الأوّل من نوعه في المنطقة، يكتسب قيماً إضافية استثنائية، «تاريخية مرتبطة بمؤتمر وادي الحجير (عام 1920) والحركة العلمية والسياسية للسيد عبد الحسين شرف الدين وعلماء جبل عامل، وجهادية مقاومة من الاحتلال حتى أسطورة الميركافا في 2006، وبيئية مستقاة من المحمية». موقع المهرجان اختير ليعكس تلك القيم. عند مثلث بلدات قبريخا ــ بني حيّان ــ مجدل سلم، اختار المنظمون عقاراً يملكه ابن بلدة طلوسة محمود ترمس. حفيد أحد رفاق خنجر، أبو نجيب ترمس، قرّر إحياء تجربة المقاومة ضد الانتداب الفرنسي والتراث العالمي. شيّد متحفاً سمّاه «دارة أدهم خنجر»، على الطراز المعماري التراثي، ونحت تماثيل الأجداد بزيّهم (الشروال والعقال) والجدّات يحملن جرار المياه على رؤوسهن. ينوي ترميم المغارة التي كان يختبئ فيها خنجر ورفاقه وصنع مجسّم لهم. «طلبوا مني استخدام أرضي لتنظيم المهرجان. كيف لا وهم قدموا لنا الدماء لنستردها؟»، يقول ترمس. يقتنع بأنّ المهرجان مثل متحفه؛ استكمال للمقاومة.
دورة المهرجان الأولى برعاية وزارة السياحة وبالتعاون مع الاتحاد، افتتحت السبت الفائت بأمسية موسيقية للفرقة الإيرانية للموسيقى التراثية «بحر النور». في كلمة الافتتاح، رأى المدير العام لـ«رسالات»، محمد كوثراني، أنّ «ما يميّز مهرجان وادي الحجير عن غيره من المهرجانات نكهته من ثقافة المقاومة». رئيس الاتحاد علي الزين، قال إن «تشكل الأنشطة الفنية والثقافية دليل واضح على تمسك أهل جبل عامل بثقافة حب الحياة خلافاً لكل ما ظل يروّجه خصومنا كأنّنا قوم لا نتقن إلا ثقافة الموت. يشهد وادي الشهداء والشاهد الحيّ الذي يمتلئ بإيقاع أقدام المجاهدين وموسيقى الحياة وأنغام الطبيعة وتسبيح الأشجار وجريان المياه المتدفقة بالموسيقى».
يستكمل المهرجان فعالياته غداً السبت بأمسية إنشادية لعلي العطار، على أن يُختتم السبت الذي يليه في الثالث من أيلول (سبتمبر) بأمسية موسيقية لأوركسترا «شمس الحرية» مع المايسترو علي باجوق.

*«مهرجان وادي الحجير الفني»: حتى 3 أيلول ـــ 20:30 ـــ وادي الحجير (جنوب لبنان).
للاستعلام: 01/821913