يضع قاسم إسطنبولي لمساته الأخيرة على «مهرجان النبطية المسرحي الدولي» الذي ينظم في المدينة الجنوبية بين 20 و26 آب (أغسطس) الحالي. ساد الظن بأنّ مؤسس «مسرح إسطنبولي» في صور (جنوباً) يغامر في المكان الخاطئ بتقديم تجربة فنية عربية وإسبانية. فإذا كانت صور تحتمل جمع التناقضات في مشهد واحد من المناسبات الدينية إلى الحفلات الغنائية والكحول في المطاعم ولباس البحر، فإن النبطية لا تحتمل. منذ سنوات طويلة، ارتبطت هذه المدينة بنمط ديني ملتزم حمّلها لقب «مدينة عاشوراء» أو «مدينة الحسين»، في إشارة إلى اعتبارها مقراً رئيسياً لإحياء مراسم عاشوراء والمناسبات الدينية على مدار العام. هي لم تكن كذلك. في الخمسينيات والستينيات وحتى الاجتياح الإسرائيلي في عام 1982، كانت النبطية كمثيلاتها من المدن اللبنانية، تحتمل كل شيء. كان فيها دور سينما وحفلات فنية. هيئات عدّة، منها «مركز كامل جابر الثقافي» و«المركز الثقافي الفرنسي» و«المركز الثقافي الروسي»، أعادت تدريجياً إدخال أشكال الفنون إلى المدينة. صفوف موسيقى ومسرح ورقص وحلقات أدب وثقافة ورسم. لكن تلك الأنشطة بقيت محدودة، ولم تخرج إلى الشارع وتندمج بين العامّة. سبب محدوديتها كان يُرَد إلى أنّ الهيئات التي تمثل معظم النبطانيين هي في مكان آخر. رئيس البلدية السابق والحالي، أحمد كحيل، المنتمي إلى حزب الله، بادر إلى دمج الفن في كل البيئات. بهيئته الملتزمة والهادئة، أوعز بإطلاق أنشطة فنية في المكتبة العامة التابعة للبلدية. إيماناً منه بأنّ «الفن يهذّب نفوس أبنائنا»، شجع فتح صفوف لتعليم العزف على الموسيقى. ما إن عرض قاسم إسطنبولي مشروع المهرجان المسرحي، ناقلاً تجربة صور، حتى تبناه كحيل واضعاً إمكانيات البلدية بتصرفه.
إلى النبطية، سيحضر حوالى أربعين ضيفاً وضيفة من إسبانيا وتونس والجزائر وليبيا والعراق وإيران، إضافة إلى الضيوف المحليين. بلدية النبطية تكفلت باستضافتهم وتأمين احتياجاتهم.
من بين أهداف المهرجان، قال إسطنبولي إنه «يطوّر المعرفة والوعي بالفنون المسرحية، وتهيئة المناخ الفكري والفني في الجنوب، ودعم التجارب المسرحية الجديدة». وضمن البرنامج المقرّر، عدا عن العروض المسرحية، ندوات تطبيقية لمناقشة العروض وملتقى فكري وإقامة ورش تخصصية.
في صور، كانت مهرجانات اسطنبولي تترافق مع مسيرات في الشارع تتضمن عزفاً ورقصاً وصخباً. هل سيتكرر المشهد في النبطية؟. مبدئياً، تبلّغ قاسم بأنّ الدواعي الأمنية الحساسة في النبطية «تفرض حصر الأنشطة في القاعات».
أما مكان المهرجان، فله قصّة أخرى. مثلما رمّم إسطنبولي «سينما الحمرا» في صور على نفقته الخاصة وأصبحت مقراً لمسرحه، صوّب على آخر سينما أقفلت في النبطية ليرمّمها ويعيد افتتاحها. «سينما ستارز» التي صمدت عروضها حتى عام 1990 بسبب الاعتداءات الإسرائيلية، بقيت مقفلة على محتوياتها: الشاشة والمقاعد وأجهزة العرض.
أخيراً، أنجز إسطنبولي ترميمها، لتُتخذ مقراً لفرع مسرحه في النبطية. إلا أنّه يحاول مع البلدية إشراك جمعيات أخرى لاستقبال العروض وعدم حصر فعاليات المهرجان في «ستارز» فقط. ومن المنتظر بعد مهرجان المسرح، أن تبدأ التحضيرات لتنظيم «مهرجان السينما الدولي» في المدينة نفسها.

«مهرجان النبطية المسرحي الدولي»: بين 20 و26 آب ــ «سينما ستارز» (النبطية ــ جنوب لبنان). للاستعلام: 70/903846