كلا، هذا الحشد من الكاميرات، في «متروبوليس أمبير صوفيل»، لم يكن لنقل نبأ سعيد. كريم غطاس مدير أعمال «مشروع ليلى» قدّم الفنّانين الأربعة الذين أخذوا مواقعهم على المنصّة: الدرامز كارل جرجس، الغيتار فراس أبو فخر، حامد سنّو مغنّي الفرقة وكاتب كلماتها، الكمان هايغ بابازيان. سيتحدّث حامد وحده، ويلاقيه فراس أحياناً بالانكليزيّة… أربعة من أصل خمسة أعضاء يشكلون فرقة الروك البديل اللبنانيّة الشهيرة. جاؤوا بالأمس لتحديد موقفهم من إلغاء حفلتها التي كانت مبرمجة اليوم في عمّان. محافظ العاصمة، خالد أبو زيد صرّح قبل أيّام أنّ قرار المنع اتخذ على خلفية «مخالفة محتوى الاحتفال للقيم والعادات والتقاليد في المجتمع الأردني». مثله فعل نائب (بسام البطوش) وكاهن (الأب رفعت بدر) وبعض غلاة التزمت والانعزاليّة الفكريّة.بعد يومين من التشويق، حسم الأمر. حسب البيان الرسمي الصادر عن وزارة السياحة الأردنيّة، ألغيت حفلة «مشروع ليلى» لعدم تناسبها مع «أصالة الموقع»! نفكّر بنوعيّة الحفلات التي أقيمت طوال العقود الماضية في المدرج الروماني الشهير، ونسأل أنفسنا: ترى ما معايير الانسجام مع أصالة هذا الموقع الأثري؟ يذكّر حامد سنّو أن الفرقة نفسها احيت في السنوات الماضية ثلاث حفلات في الموقع إيّاه، وكان كل شيء على ما يرام. ما هذه «الصحوة» المفاجئة؟ كلنا يعرف الجواب: إنّها مجتمعاتنا التي تواصل رحلتها السعيدة إلى الهاوية، بين خطاب تكفيري وردّات فكريّة وانغلاق من جهة، وأنظمة استبداديّة متخلّفة عاجزة من الجهة الأخرى. حامد (ورفاقه) أكثر اعتدالاً وتفاؤلاً في هذا السياق، فهم لا يتهمون النظام بكليّته. مغنّي الفرقة التي حققت خلال 8 سنوات شهرة واسعة عربياً وعالميّاً، كنّس، بحركة من يده، التبرير الرسمي لقرار الإلغاء، وراح يفنّد الاتهامات البليدة التي حفلت بها تصريحات بعض الشخصيّات في الاعلام الاردني… قبل أن يستخلص بثقة خلال ردّه على أحد الأسئلة، أن أقلية محافظة في دائرة القرار وراء الغاء الحفلة، لكن أكثريّة السياسيين واصحاب القرار غير راضين عن هذا الموقف المتزمّت الذي يتعارض مع موقف شهير للملكة رانيا في (قمّة أبوظبي للإعلام 2014): «أعز الأمور علينا، حاجتنا وحقّنا في سرد روايتنا بأنفسنا (…) وانتهاك هذا الحق يتركنا ناقمين». حسناً!
حامد سنّو نجح في كبت نقمته، هو الذي استهل مداخلته بالقول: «نحن فخورون أن نكون جزءاً من نقاش عام عن الرقابة الفكرية والفنية»، ستكون انعكاساته ايجابيّة في المحصلة الأخيرة. لقد انكبّ ورفاقه على رصد كل ما قيل وكتب حول القضيّة في عمّان. في «متروبوليس» بدا هادئاً، يدحض الاتهامات بعقلانيّة، ويطرح الأسئلة. بالنسبة إلى «التعارض مع قيم المجتمع»، سأل: ما الذي يخوّل فرداً أو مجموعة أن يقرروا ماذا يناسب مجتمعاً بأسره؟ ورفَض القراءة السطحية التبسيطيّة والحرفيّة لأغنية «الجنّ» (ألبوم «ابن الليل» 2015) التي باتت دليل ادانة الفرقة! لقد أخرج المحرّضون كلمات قليلة «من اطارها البنيوي»، قال، ليبنوا قراءتهم الهاذية، المسيئة إلى سمعة الفرقة، فرموها بالتهمة الغبيّة الرائجة هذه الأيّام، أي الانتماء إلى «عبدة الشيطان»! ذكّر بأن الفن يعتمد لغة المجاز، وان تسطيح الابداع هو اعتداء على الخيال والحريّة. «ردود الفعل على مواقع التواصل، تشير إلى أنّه ليس هناك رأي واحد» قال، من حق كل فرد أو مجموعة أن يطلع ويقرر… وأعلن: نحن مع أن يعبّر كل طرف عن رأيه ورؤيته، وتلك هي الديمقراطية (…) بعيداً من أي «عنصريّة»، وأية وصاية سياسية تلغي الآخر. وأوضح أنه ورفاقه، كأي فنّان، منحازون إلى الفرد في صراعه ضدّ آليات السيطرة والقمع والظلم، ويؤمنون بالمساواة والتعددية والحرية.
أكّد سنّو أخيراً أن إلغاء حفلة لـ «مشروع ليلى» في عمّان، لن يثني الفرقة عن فعل كل ما بوسعها للعودة والغناء هناك، خصوصاً أنها الفرصة الوحيدة للقاء جمهورها الآتي في فلسطين المحتلّة عام ١٩٤٨. وفي انتظار أن تتراجع السلطة الأردنيّة عن خطئها، فتسهّل عبور الفنّانين بدلاً من التكفيريين… سيلتقي حامد ورفاقه جمهور المحبين في أحد مهرجانات الصيف الكبرى في لبنان («بيبلوس» ربّما؟)، ومن المرجّح أن ترتمي «ليلى» في أحضان عشّاقها التوانسة ـــ بالإذن من محافظ عمّان ـــ لأمسيتين متتاليتين، في «الحمامات». وقد علمت «الأخبار» أن المسرحي معزّ المرابط، المدير الجديد لهذا المهرجان التونسي العريق، يضع حاليّاً اللمسات الأخيرة على برنامج غني يتضمّن تحيّة خاصة إلى لبنان.