مع ندرة الحديث عن جدلية العلاقة ما بين الحراك المدني والإعلام، أعادت «جامعة العلوم والآداب اللبنانية» (طريق المطار) طرح هذا الموضوع الشائك ضمن سلسلة ندوات تخص الإعلام وأهله لدمج النظرية بالتجربة. «قراءة نقدية لعلاقة الإعلام بالحراك المدني»، عنوان ندوة نظمتها الجامعة اليوم لمقاربة علاقة الإعلام اللبناني بالحراك المدني أو الشعبي، بمشاركة الإعلامية بثينة علّيق، والناشطة في حملة «بدنا نحاسب» نعمت بدر الدين، والزميل بيار أبي صعب، بينما غابت مراسلة lbci فتون رعد بداعي السفر.ترافق الحراك الذي وصل إلى أوجه في آب (أغسطس) الماضي على خلفية أزمة النفايات مع مواكبة إعلامية لافتة، ولّدت في كثير من الأحيان أسئلة مشروعة عن أجندات المحطات، وعن كيفية تغطيتها للحراك، وتظهيرها لمجموعات على حساب أخرى. فهل خدم الإعلام فعلاً هذا الحراك؟ هل ضخّمه؟ هل شوّهه؟. أسئلة دارت في هذه الندوة النقاشية المفتوحة مع طلاب كليات الإعلام في جامعات لبنانية مختلفة.
قبل الإجابة، كان لا بد من التوقف نظرياً عند حالة الإعلام في لبنان، ووظيفته، وخلفيات كل وسيلة إعلام وأجندتها السياسية التي كانت تحرّك على أساسها كاميراتها أو تقفل عدساتها في وجه الناشطين.
الإعلامية بثية علّيق لم تفصل ما حدث في الحراك عن المشهدية السياسية والإجتماعية للبنان. تحدّثت عن التضخيم الإعلامي الذي أفرزه «الربيع العربي» (تحديداً في عام 2014)، وتضخمّت معه أدوار المراسلين، فضاعت الحدود والضوابط الإعلامية، وسط ضبابية في المشهد التلفزيوني، وارباك في معرفة ما يحصل فعلياً في الميدان.
من جهته، أضاء الزميل بيار أبي صعب على ثغر خلّفها الأداء الإعلامي أثناء الحراك: هل شيطن الإعلام الحراك؟ هل فتح نقاشاً حيّاً ومثمراً؟ إلى جانب هذين السؤالين وغيرهما، غاص أبي صعب في ضرورة شرعنة الأسئلة النقدية وطرح هواجس هذا الحراك من دون الدخول في الأبلسة والانزلاق إلى التكفير، الأمر الذي أثار جدلاً واسعاً وقتها. فقد طُرحت يومها فرضيات علاقة التغطية الإعلامية لبعض وسائل الإعلام بأجندات. وأثار نائب رئيس تحرير «الأخبار» مسألة إنتقاء بعض الوجوه من الحراك، وتحديداً من مجموعة «طلعت ريحتكم»، لإبرازها أكثر على الهواء كونها «سكسي» أكثر من غيرها.
هذه النقطة تناولتها الناشطة نعمت بدر الدين في مداخلتها، وكشفت عن سر هذه الإستنسابية بين مجموعات الحراك. ورجّحت أن يكون السبب المباشر هو هروب بعض القنوات من مجموعات الحراك الأخرى لأنّ أفرادها ناشطون حزبيون. هنا، فرّقت بدر الدين بين مراسلين أرادوا التغيير ودعم هذه الحركة الشعبية، ومن تعامل مع أعضائها على أنّهم «كائنات فضائية». ولعلّ النقطة الأبرز التي طرحتها بدر الدين تتعلّق بعدم إيلاء أهمية أو مساحة للحركات الشعبية في باقي المناطق اللبنانية شمالاً وجنوباً، وحصر التغطية بالـ «داون تاون».
في هذا السياق، عقّبت علّيق باختصار مستشهدةً بمقولة الإقتصادي جورج قرم الذي يختصر الحديث عن الإقتصاد اليوم بمساحة لا تتعدى الـ 100 كلم مربع، أي سوليدير. أسقطت الإعلامية اللبنانية في «إذاعة النور» هذه المقولة على وضع الإعلام اليوم الذي أغرق نفسه ــ قصداً ــ في هذه المساحة حصراً.
أما عن شبه الغياب للحراك عن الشاشات والساحات اليوم، فيعزو أبي صعب السبب إلى «قدرة النظام الطائفي المافيوي وأدواته على محاصرة الناشطين، فيما أدى ضعف نضج الناشطين وتحديداً القادة منهم، والمراسلين في إجهاض هذه الحركة الإعتراضية».
في المحصلة، راوح التقييم لأداء الإعلام اللبناني بين مساهم في الإضاءة على ملفات الفساد، ولاهث خلف نسب المشاهدة، وملتهٍ بقضايا سطحية. ويبقى القول إنّ حضور أطراف آخرين من مراسلين وفاعلين في هذا الحراك كان سيُغني الندوة، ويتيح التعرّف أكثر على كواليس القنوات في تلك الفترة.