القاهرة | فقرات قصيرة كتبها الصحافي المصري نبيل سيف على فايسوك عن مزاد يقام في القاهرة «يخص مقتنيات الأديبة اللبنانية مي زيادة (1886 ــ 1941/ الصورة)»، كانت كفيلة بإحداث «انقلاب» في أروقة الدولة المصرية. تداول آلاف النشطاء بوست سيف، مطالبين الدولة بالتدخل بعدما زعم الصحافي الذي عمل في صحيفتي «الفجر» و«صوت الأمّة» أنّ هناك «مزاداً مغلقاً وشخصياً جداً جداً في شقة في شارع علوي في وسط القاهرة أمام مبنى الإذاعة القديم. الشقة دي مغلقة منذ1941 تخيّلوا...». والمفاجأة على حد قوله أنّها «شقة الأديبة مي زيادة»، من دون أن يحدّد رقم العقار، موضحاً أنّ «فيها بلاوي وكراتين وأوراقاً ورسائل من العقّاد وطه حسين، وأمراء وعظماء...». وأضاف أنّ «أهم كرتونة فيها كل ملفاتها الطبية وتقارير علاجها ووفاتها»، مضيفاً أنّه «عاين الشقة منذ يومين بس على السريع»، ليجد فيها «حوالي 2000 صورة مع كل عظماء مصر، غير الكتب، ومتعلقاتها الشخصية. جواز سفرها، وبطاقتها الشخصية، وخطابات الغرام بينها وبين جبران خليل جبران».
وبسبب هذه العبارات المثيرة التي نقلتها المواقع الإلكترونية على نطاق واسع، شهد شارع علوي في القاهرة أمس زحمة مرورية لافتة في التوقيت المحدّد للمزاد المزعوم، كما حضر مندوبو وكالات الأنباء وممثلون عن أجهزة أمنية ورقابية، بعدما أبلغت وزارة الثقافة هذه الجهات اتخاذ إجراءات تحول دون إتمام المزاد في حال إقامته.
وقد أكد وزير الثقافة حلمي النمنم، وهو المؤرخ المتخصص وصاحب كتاب شهير حول زينب فواز، إهتمامه بالأمر. فقد ألّف لجنة برئاسة رئيس «دار الكتب والوثائق» شريف شاهين لوقف المزاد في حال اقامته، عن طريق إستخدام الضبطية القضائية التي تجيز له قانوناً وقف البيع. واللافت أنّه رغم هذا التحرّك، لم يستدل أحد على المزاد، ولا سيّما أنّ الصحافي الذي نشر الخبر اختفى تماماً وأغلق هاتفه.
وأكد كل من في الشارع من حرّاس عقارات وأصحاب محال عدم وجود عقار يحمل الرقم 8 في الشارع، وأنّهم لم يسمعوا قط باسم «مي زيادة».
من جهته، بادر شاهين إلى تحريك بلاغ أمام النيابة العامة، وبدلاً من حفظه، توجّه ببلاغه إلى إدارة التوثيق والمعلومات في وزارة الداخلية للتحرّي عن نبيل سيف، متّهماً إيّاه بـ «إزعاج السلطات». وقد جرى تحرير محاضر رسمية بالواقعة التي تحولت إلى «نكتة»!
لم يمض وقت طويل قبل أن يعاود سيف الظهور عبر فايسبوك، مشيراً إلى أنّه يحضر هذا النوع من الأنشطة (المزادات) بـ «انتظام كل شهر تقريباً، ليس بصفتي الصحافية، وإنّما كصاحب مقتنيات ضخمة يتحصّل عليها سنوياً». وخلص الرجل إلى أنّ الشقة التي سبق أن أشار إليها كانت «لهاوٍ قديم لديه مقتنيات لمي زيادة، وأخرى من كل حدب وصوب»، مؤكداً أنّه كتب لـ «لفت إنتباه الجهات المختصة للثروة التي يجري تسريبها إلى خارج مصر».
اللافت أيضاً أنّ القصة أثارت إهتمام غالبية رواد مواقع التواصل الاجتماعي من هواة الكتابة، عاد بعضهم إلى مواد أرشيفية كشفت أنّ صاحبة كتاب «غاية الحياة» لم تسكن أصلاً في شارع علوي، وأنّ بيتها الوحيد في القاهرة كان في شارع المناخ (عدلي) حالياً بجوار «حلويات غروبي»، وقرب المعبد اليهودي. وهناك أقامت صالونها الأدبي الشهير. حتى عقب عودتها إلى مصر بعد مزاعم إصابتها بالاضطراب العقلي، سكنت في البيت نفسه.
من جهته، شكّك وزير الثقافة السابق وأستاذ الوثائق عماد أبو غازي في وجود شقة تخص مي زيادة مغلقة منذ نحو 75 عاماً، مشدداً على أنّ القانون المصري واضح، إذ تؤول الشقق التي لا يُستدلّ على ورثة لأصحابها إلى «بنك ناصر الإجتماعي» أو شركة تأمين. ومسار حياة مي زيادة يشير إلى نزاعات بينها وبين أقارب لها على ميراث والدها، ما يعني أنّهم كانوا سيلاحقون ميراثها بعد وفاتها.