لا رواية جديدة لهدى بركات (1952) في المعرض هذا العام. لكن حضورها اليوم في بيروت سيكون في مناسبة صدور أعمالها الروائية السابقة. على هذا، سنرى «حجر الضحك» (1990)، «أهل الهوى» (1993)، «حارث المياه» (1998)، «سيدي وحبيبي» (2004)، «ملكوت هذه الأرض» (2012) وقد صدرت بإخراج وتصميم واحد حاملة اسم «دار الآداب».
سيكون مُلاحظاً هنا وقوع الاختيار حصرياً على النتاج الروائي مُستثنياً «رسائل الغريبة» (2004) وهي مجموعة نصوص نُشرت على هيئة مقالات نصف شهرية جمعتها فكرتان تقارِب بين إقامتين لبركات؛ اللبنانيّة، وتلك التي ستكون لاحقاً بعد قرار الهجرة إلى باريس عام 1989. كما يتأخر إصدار «فيفا لاديفا» عن الأعمال الخارجة في طبعة «الآداب» على اعتبار كونه نصاً مسرحياً لا يتسق مع فكرة الجمع الروائي الصادر دفعة واحدة. ويبقى الحديث عن حالة التجميد المُستمرة من قِبل بركات لـ «الزائرات» (1985) على الرغم من كونها جمعاً سردياً لعدد من النصوص التي افتتحت صاحبة «أهل الهوى» سيرتها الأدبية عن طريقها.
ولم يكن ذلك التجميد اعتباطياً من جهة صاحبة الإصدار. يمكننا هنا التوقف عند الطريقة التي تتعامل بها بركات أثناء سيرة تكّون نصها الأدبي قبل ظهوره النهائي: الاشتغال عليه ثم العودة ثانية بعد وقت، فتراه باقياً على حاله في حين انتقلت هي إلى منطقة أبعد من النص ذاته «كأنه تجاوز مدّة صلاحيته». يكاد الوضع أن يبدو مشابهاً لقرار الابتعاد عن بيروت كي تكون قادرة على الكتابة عنها من مسافة تكفي لرؤية مدينتها بمزيد من الوضوح وروايتها على نحو جلي يسمح بإعادة تأمل مشهد الحرب الأهلية التي ستكون محوراً لغالبية السرد الذي سيُنتج لاحقاً.
لكنّ عندما كتبت «الزائرات» في وقتها، كانت مُصدّقة «أن النساء هن ضحايا عنف الحروب» حتى رأت بعضهن «يزغردن وراء المُقاتلين، ويشتهين القتلة»، إضافة إلى حقيقة كونهن «ضد عنف الآخر، العدو، لكنهن مع عنف جماعتهن». من هنا مضت بركات التي ما زالت ترفض الكتابة بغير اللغة العربية رغم إقامتها الفرنسية الطويلة، وهي تمتلك حساسية مفرطة والتشكيك المسبق «في أي شيء يتفق حوله ويجتمع عليه أكثر من ثلاثة أشخاص» حيث تشعرها الجماعة «بالهلع والتورط والانسياق إلى فخ قريب». وهكذا ذهبت في إهمال ذلك الإصدار وعدم المرور عليه كأنه لم يكن، فقد تغيّرت نظرتها إلى ذلك «العمل» المُنجز بعد اكتشافها حقيقة اختلاف الصورة التي اعتمدت عليها في إظهار بنيته. لهذا «لم أجد يوماً ما يبرر إعادة طباعته» وفق ما تقول، إضافة إلى كونها قد رأته على هيئة تمرين لن يكون على علاقة بجوهر ما سوف يلي من علاقتها بالكتابة التي لا تحمل بطلاً محدداً أو نهاية تقول بحقيقة أو تطرح نصائح لغيرها من الناس.
ربما لهذا نراها قد دخلت عبر «حجر الضحك» (1990) في رهان مُختلف على كيان الأنثى عندما فرضت حالة التأنيث على «خليل» شخصية العمل الرئيسية، فظهر كبطلة للنّص رغم صلبه الذكوري كأنها هكذا تعيد للأنوثة اعتبارها، لكن عن طريق سياق مختلف غير الذي كان في «الزائرات» وحقيقة كونه سيفقد ذلك التمّيز عندما يقرر ترك «أنوثته» تلك ويعود ليصبح قاتلاً كسائر القتلة. وبعد إنجاز «حجر الضحك» التي كُتبت خاتمتها على نحو متسارع بغية اللحاق بموعد «جائزة الناقد» التي ستفوز بها لاحقاً، قررت بركات إعادة صياغة تلك الصفحات من الفصل الأخير. لكنّ الأمر نفسه لن يكون مع الأعمال التالية التي تصدر اليوم مجدداً بالصيغة نفسها التي كانت عليها أثناء طباعتها الأولى.