للمرة التاسعة والخمسين، يجتمع القراء والناشرون لإحياء فعاليات معرض بيروت. مع الوقت، صارت تؤكد دورات هذا التقليد السنوي أنها لا تتقدم. وإن فعلت، فهي لا تزيد عن التماهي مع صورة موحدة للمعرض، يثبتها غياب الابتكار والركود. تكرار سيناريو التذمر من الأحداث الأمنية والسياسية، والتمسك بالصورة النوستالجية لدور بيروت، والحسابات الخاصة لكل دار، تكاد تتلف النقاش الأساسي حول المكانة الثقافية الفعلية لمعرض بيروت.
أمام اختلاف أولويات الناشرين اللبنانيين في تصنيف قيمة المعرض البيروتي عربياً اليوم، يصر معظمهم على الاحتفاظ بذلك الرابط المعنوي مع العاصمة اللبنانية. رابط تعززه حرية النشر والحرية الاقتصادية والإستمرار. علاقة «دار الآداب» مع بيروت تتقاطع مع هذه الصورة. رغم إعجابها بتطور معارض عربية كـ«الشارقة»، لناحية استضافتها نجوم الأدب، والنشاطات المرافقة لها، فإن «العاصمة اللبنانية لا تخذل «الآداب»» برأي المديرة العامة للدار رنا إدريس. تشحن الأخيرة هذا الأمل بـ«وجود ناشرين مخلصين وأقوياء»، وبهامش حرية واسع، وتزايد القراء الشباب. هذه السنة تراجعت الإصدارات في الدار إلى 37؛ بينها أسماء أدبية كبيرة تعوّل عليها كالياس خوري، وواسيني الأعرج، ورشاد أبو شاور وشوقي بزيع... ليس أمام مدير «دار الفارابي» حسن خليل سوى التفاؤل بمعرض بيروت، مع تردي الأوضاع في مصر والعراق، وغياب سوريا. هكذا «يشكل معرض بيروت واحداً من أهم 3 معارض عربية تعوّل عليها الدار، إلى جانب معرض الرياض». هذا التفاؤل ينعكس على ارتفاع إصداراتها إلى 207 هذه السنة، والتواقيع إلى 40 بين أدب وفلسفة وترجمة. الخوف من الانفجارات لا يمنع مديرة تحرير «دار الساقي» رانيا المعلم من انتظار مفاجأة من قراء بيروت. بعيداً عن حسابات الدار الربحية، فإنها لا تلمس دوراً ثقافياً فعلياً من «معرض بيروت».
هيمنة الرياض والشارقة... لكن لا أحد يسرق «بريستيج» بيروت

الركود ليس جديداً هنا، لكن الفارق هو تطور معارض عربية أخرى بفضل الميزانية الكبيرة المخصصة لها. برنامج الدار مكثف هذه السنة مع حفلات توقيع لنجومها المعروفين كعباس بيضون ورشيد الضعيف فيما تخصص ندوات وقراءة قصص للأطفال بالتنسيق مع المدارس الخاصة. لا يبدو وصف خالد المعالي للمعرض البيروتي مستغرباً. إنه «مجرد بريستيج»، يقول صاحب «دار الجمل»، مؤكداً أنّ الأخيرة لم تعتمد يوماً على «معرض بيروت»، وخصوصاً أن سوق الكتب الحقيقية انتقلت إلى مدن أخرى كالشارقة والرياض حيث «حركة الثقافية كثيفة». أمام هذا الصعود السريع لبعض المعارض، لا شيء ثابتاً وفق المعالي، فـ«السياسة هي المؤثر الأول في تحديد توجه السوق وتزايد الإقبال على نوعية معينة من الكتب». ومقابل العناوين السبعين التي أصدرتها الدار هذا العام بين التراث العربي والأعمال الأدبية والفلسفية والترجمات، تقيم أربعة تواقيع، ولقاء مع العراقي المتوّج بـ«بوكر» أحمد سعداوي. على سبيل الهزء، تقترح رشا الأمير إقامة المعرض في قبرص للتعبير عن المسافة التي تفصله عن المدينة والناس. توجه الكاتبة اللبنانية وناشرة «الجديد» انتقاداتها إلى «الرأسمالية» التي تتحكم بسوق الكتاب والنشر والقراءة، مغيّرة خريطة الكتاب في العالم العربي لصالح الخليج، لكنها تشير إلى أنّ المال وحده لا يكفي لصنع معرض. ورغم الانتقادات الموجّهة للمعرض في ما خص التنظيم، وتشاؤمها من الوضع السياسي، لم تقطع الأمير الأمل من بيروت. هذا العام، لم تتعدّ إصدارات الدار 9 عناوين؛ من بينها توقيع «أشاطرك الألم» لفادي العبدالله، و«نحن الذين نخاف أيام الآحاد» لرولا الحسين، فيما ترجمت كتاب «معارضة الغريب» لكمال داود، وأصدرت «جنوب الملح» لميلود يبرير، و«سيرة أمير مبعد» لمولاي هشام العلوي. يأتي الاهتمام بإصدارات المغرب العربي نتيجة التعاون مع «دار البرزخ» الجزائرية. طبعاً تحضر «الجديد» إصداراتها القديمة التي «لا تفقد أهميتها» وراهنيتها ككتب عبدالله العلايلي، وعاصم سلام عن الوسط التجاري وانتهاكات سوليدير التي تصب في الإشكاليات الآنية ومطالب الحراك الشعبي. ما لم يقله الناشرون حرفياً، قاله الشريك في «الدار العربية للعلوم ناشرون» غسان شبارو الذي يعتقد أن سوق الكتب أصبحت في الرياض والشارقة وجدة وأبو ظبي والكويت، فيما «لا يزال معرض بيروت يقف مكانه». يتحدث عن الحركة الخجولة في معرض بيروت، بينما «تدعو معارض الخليج نجوماً وتقيم ندوات، وتبحث في إشكاليات القراءة والنشر والكتب». حافظت الدار هذه السنة على إصدار كتاب كل يوم بينها أعمال لسعود السنعوسي وابراهيم نصرالله... وبالنسبة إلى المدير العام لـ«هاشيت أنطوان ــ نوفل» إميل تيان، يشكل معرض بيروت أهمية معنوية. هذه السنة، تهتم الدار بالأزمة السورية من خلال روايتي «الموت عمل شاق» لخالد خليفة، و«عتبة الباب» لسندس برهوم. وتواصل رهانها على المواهب الشابة كندى شعلان وعبد الحكيم القادري. من جهة أخرى، لا نعلم إن كانت كثرة الإصدارات وحدها دليلاً كافياً على حركة ثقافية نشطة. دار «ضفاف» تتعاون مع دور عربية أخرى مثل «الاختلاف»، و«الكلمة»، و«أمان» وتصدر كتاباً كل يومين، كما يقول المدير بشار شبارو. من هذا العدد، لا تتعدى نسبة المبيعات في بيروت 8 إلى 9% من مجموع مبيعات الدار. هكذا، يشبه شبارو «معرض بيروت» بـ«الفولكلور»، فـ«حركة النشر حيوية في المدن العربية الأخرى، ونوعية الطباعة ممتازة، فيما يتربع معرضا الرياض والشارقة على لائحة المعارض الأكثر أهمية اليوم».