بعد «صور الوله» (2003)، يعود حسن م .عبدالله الى مكابدة الشعر في «مولانا الغرام» (دار الفارابي). الشاعر والإعلامي والكاتب اللبناني، حاصل على ديبلوم من جامعة الـ «سوربون» بعنوان «فلسفة التخاطب وعلوم الاتصال» وإجازة في الصحافة من «كلية الإعلام» في الجامعة اللبنانية. في «مولانا الغرام»، تؤكد قصيدة عبدالله على جوهرها الفردي والفوضوي، وتُقدّم هنا الشكل المتوتر لشاعر اختار عزلته طوعاً، وأحبها، فأوجد لترجمتها لغة تُشبهها. ما من صرخة عجز أو إقرار بالوحدة، حتى إنّ الصمت والموت يغيبان عن قصائده، ليحّل الحب وحده في مداعبات لغوية ضاحكة، جاهد عبدالله عن قصد، كي تمتلك منطقها الخاص وقوانينها الحيوية: «قبل أن تكتب/ مرّن أصابعك في الحصى/ داعب الماء العميق/ دع أصابعك تُراقص غصناً عالياً/ وإلا/ سوف تغترب القصيدة / تترّنح خاوية / من أيّ روح».
مشاهد متلونة تراوح بين الحب والأبوة والانتماء

لا شك في أن الجانب المشرق في قصيدة عبد الله، يبدو أكثر وضوحاً عما عداه. مع ذلك نجده متغلفاً بالسخرية الباردة والتهكّم الدائم. رغم قوّة التهكّم فيها، تمنحنا قراءة «مولانا الغرام» إرتعاشة حيوية فياضة، بمعنى أنها تطرح سؤال الصدق والتهّكم معاً. ثمة إيقاع معيّن للمشهد، وضراوة معينة في آن واحد، يضخّان في مجموعة عبدالله – بالفعل – حيوية وقوة لافتتين من رغبة الشاعر في أن يأتي عملهُ، فعلاً تحررياً من كل ما يُضني، في سبيل الانتهاء الى الوقوع في الرغبة بالحياة. تقطيع السرد الذي يحكمهُ المناخ الواحد في القصائد القصيرة كافة، يُعطي انطباعاً فانتازياً للمشاهد المتلونة المترواحة بين الحب والأبوة والانتماء. كما أن الزمن يغيب في المجموعة، حيث تُرصد «اللقطات» وتُقدّم في شكل مفتوح غير مندمج وفقاً لتسلسل متماسك، فتأتي القصائد كما لو أنها تسبح في زمن سائل يملأ الفجوات بالحب.
يُثري عبدالله معماره الشعري بالكلمات الحميمة، وبفضلها تتبدى القصائد المفتقرة ظاهرياً الى التسلسل، كما لو أنها وحدة مبنية على نحو خفي... وبارع. كتابة الشعر على ما يقول حسن م. عبدالله بالنسبة إليه، هي كتابة تلقائية من حالة تلقائية. «بدأت كتابة الشعر منذ السبعينيات، وتنامى شغفي إليه في الثمانينيات. أول قصيدة لي شئت أن يقرأها أولاً الشاعر الراحل محمد عبدالله وكان حينها رئيساً للقسم الثقافي في جريدة «السفير»، ونشر من قصيدتي مقاطع أعجبته مع تشجيعي على مزيد الكتابة، والعمل في الصحافة، فأفضت نصيحته إلى عملي كمراسل للسفير، لم أنقطع عن كتابة الشعر فثمة استمرارية في الكتابة سوى أنني انقطعت عن النشر من فزعي حيال نصوصي التي لم يقنعني بعضها. الشعر وُجد في بيتي ومحيطي، أمي كانت تكتبه في السّر، وتتذوّقه بسبب أختها سكينة عبدالله التي تواطأت وأمي على هذا الفن الجميل». عبدالله مُقّل بالنشر وليس في كتابة الشعر. «صور الوله» عبارة عن خلاصة كل علاقته بالشعر، إذ طاله التشذيب والحذف والمراجعة حتى انتهى الى ما انتهى اليه. «الشاعر محمد عبدالله كان في مراجعاته لنصوصي، من الحوافز المهمة التي حرّضتني على معاودة النشر، فأتى «مولانا الغرام» خلاصة لسنين طويلة من العمل عليه، وناله ما نال مجموعتي الأولى من حذف وتخّل عن قصائد متعددة ومتنوعة».
القصيدة عند عبدالله هي مزيج من شخصيته وثقافته وحياته اليومية. عندما يكتب، لا تقلقهُ فكرة أن تأتي القصيدة كلاسيكية أو حديثة بل يترك لسجيته في الكتابة أن تنساب، من دون المراعاة مسبقاً لقالب القصيدة أو نوعها أو تصنيفها. كما أن الحذف عنده على علاقة بمزاجه العبثي الذي يحرضه على إتلاف قصائد بسبب عدم استمتاعه هو أولاً بها، وهذا ليس حكماً على جودتها بل هو مزاج الشاعر على ما ذكرنا. جزء كبير من الشعراء العرب – يقول عبدالله – كتّاب نصوص، ولم يصلوا بعد الى كتابة قصيدة. «في كتابي الثالث الذي يصدر قريباً، أعتقد أنني حاولت الوصول إلى ما أريده من الشعر، إلى كتابة همّي بأدواتي الثقافية المتواضعة وإن نجحت أكون وصلت الى عتبة الشعر. لم يصلوا الى كتابة قصيدة بل نصوص ولا أستثني نفسي من بينهم لكنني أجهد الى كتابة قصيدة فيها بنية وإيقاع وصدى للروح الإنسانية، ولعل هذا ما يحويه كتابي الثالث، ولأمي فيه التجربة التي عاشتها، الحياتية والإنسانية واللغوية، ويكون التعبير الأصدق عن حسن م. عبدالله».