في «بعدك على بالي» (الفارابي)، يؤرّخ طلال شتوي ليوميات صحافي عايش الحرب في بيروت، وطفولة وذكريات. يسجل ملاحظاته ومشاهداته لكل كبيرة وصغيرة، جمعها في قصص صغيرة نسجت من الذاكرة وحيكت بأسلوب سهل مبسّط قريب من القلب والعقل، تبكي وتضحك، تحزن وتتحسس معه، كأنّك تقرأ صفحة من سيرتك الذاتية غير المنشورة، ولكن بقلم شخص تألّق في زمن الحرب وحلّق في فضاء بيروت بمجال الفكر والفن والثقافة. إنها يوميات فتى طرابلسي في مدينة ستّنا بيروت. لا يمكن تصنيف كتاب طلال شتوي على أنّه سيرة ذاتية أو رواية بل هو يشبه كتابة الأديب الراحل سهيل إدريس «ذكريات الأدب والحب»، حيث أراد له أهله بأن يصبح شيخاً خريج مدرسة الشريعة، فأصبح كاتباً صحافياً. أما شتوي الذي أراد له والده أن يصبح طبيباً، فقد رغب في أن يصبح شاعراً. وإذا به يصبح صحافياً وكاتباً.
بكى عادل عسيران وهو يسمع تحليق الطيران الإسرائيلي فوق العاصمة
تجربة طلال ومسيرته وضعها في هذا الكتاب من تجارته وبنات أفكاره. فهو مرّ في مدرسة وليد عوض، ثم مجلة «الحسناء»، وبرنامج «أضواء المدينة»، وبرنامج «الليل المفتوح» على «شاشة المستقبل». وخاض تجربة مع زياد الرحباني وزكي ناصيف وفريد شوقي وجورج وسوف ومرسيل خليفة وحسين فهمي وفاروق الفيشاوي وعزت العلايلي وآخرين. أجرى في حياته المهنية عشرات الحوارات الصحافية مع كبار السياسيين والفنانين ومثلها من التحقيقات السياسية والاجتماعة. ومن هذه الشخصيات نذكر الراحل عاصي الرحباني، والمخرج السوري مصطفى العقاد، وفريال كريم، وجورجينا رزق، وترايسي داني شمعون، وسميرة توفيق، وميادة الحناوي، وليلى علوي، ونجوى كرم، ورشيد كرامي، وسليمان فرنجية، وياسر عرفات، وسليم الحص، وريمون اده، وميشال عون، وحسين الحسيني، ومجيد ارسلان، وعادل عسيران، ونجاح واكيم وغيرهم كثر. ينقل شتوي ما حصل في لقائه مع عادل عسيران «لا يمكن أن أنسى دموعاً لم يستطع الرئيس عادل عسيران أن يحبسها وهو يسمع صوت تحليق الطيران الإسرائيلي فوق بيروت. كنت أجري معه حواراً في منزله، وكان وزيراً للدفاع في حكومة رشيد كرامي الأخيرة. انفعل وغلبته دموعه وهو يقول لي: أنا وزير دفاع في بلد لا يمتلك طائرات تتصدى لطائرات العدو. أنا وزير دفاع يجري المقابلات بدل أن يصدر الأوامر بإعلان الحرب. أشعر بالعار».
لا يخلو الكتاب من المكاشفات والمعلومات القيمة عن أشخاص عملوا في الصحافة والفن والأدب والمسرح والسياسية. لا نجد في كتاب طلال شتوي القصائد، بل قصصاً تعري حياتنا، فهو يفنّد في سيرته الذاتية شخصيات عرفها وأماكن مرّ بها بأسلوب شيق وسلس ولغة مختصرة ومغتزلة تقرأ حيوات شخصيات مشت وتركته وحيداً وشخصيات شجّعته ووقفت بجانبه، وما زالت فاعلة بالشأن العام. يحكي هذا الكتاب عن جيل الحرب وعن تلفزيون لبنان و"استديو الفن" والصحافة وبيروت وعن أب عرض أطفاله الثمانية للبيع.
إذا كنت لا تعرف إذا كنت على بال طلال شتوي، فعليك بقراءة الكتاب وسوف تكتشف بنفسك إذا ذكرك في هذه السيرة المسكوبة بقالب قصصي جميل. تكتشف أشياء عن نفسك لا تعرفها انت وأشياء عن أشخاص تعرفهم أو ربما سمعت بهم. هل علمت مثلاً أنّ الصحافي سامي كليب يعزف العود ويغني؟ أو ماذا طلبت السيدة فيروز من طلال شتوي؟ وما قاله له سليمان فرنجية؟ أو رشيد كرامي؟ أو زاهي وهبي؟ وماذا كانت تعمل الفنانة ماجدة الخطيب في بيروت في أولى حياتها الفنية؟ في أحد مقاطع الكتاب، يقول شتوي «كان اللبنانيون بانتظار عودة زياد رحباني كمؤشر على عودة بيروت. وجاءت العودة عام 1993 مع عمل «بخصوص الكرامة والشعب العنيد». وقبل أن أبادر إلى الاتصال، فوجئت بالعزيز وسام شاهين الذي كان يعد برنامج سهرة غير شكل في تلفزيون لبنان حاملاً مفاجأة جميلة، ومربكة: رضي زياد أن يكون ظهوره التلفزيوني الأول بعد غياب عبر تلفزيون الدولة. فعلياً، حاولتُ الانسحاب منها قبل التصوير ثم أثناء التصوير. ولكن كان ذلك سيتسبب بإفساد الجو وربما إلغاء الحلقة. ولم أكن لأتحمل أن أكون عبئاً ثقيلاً على زياد وهو يباشر عودته إلى الضوء وإلى جمهوره الذي ينتظره، بل وإلى أجيال جديدة اكتشفته من أعماله المسجلة واعتبرته رمزاً فنياً وثقافياً وسياسياً يكاد يكون صاحب أكبر حزب لبناني غير معلن».