بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، صار هاجس الولايات المتحدة الأميركية الأول، هو محاربة الشيوعية، وأحست بأهمية العمل بين الشبيبة، فعملت على تأسيس بعض المنظمات والروابط والاتحادات ومنها "رابطة الطلاب القومية في الولايات المتحدة" (National Student Association, NSA). يروي هذا المؤلف قصته بالتفصيل ونشاطاته قومياً وعالمياً. الكاتبة كارِن إم باجِت، صاحبة هذا المؤلف، وزوجها، كانا من ضمن قيادات الرابطة، وعملت مع وكالة الاستخبارات المركزية ضمنها بدءاً من منتصف شهر تشرين الأول عام 1965، لكن من دون معرفتها المسبقة. بعدما انضمت مع زوجها إلى الرابطة، طلب منها توقيع ورقة رسمية تتعهد بموجبها عدم التصريح عن أي معلومات ستنقل إليها تحت طائلة العقوبة بتهمة الخيانة القومية، والمعلومة هي أن الرابطة تعمل بأوامر من "وكالة الاستخبارات المركزية".
كارن باجيت تعترف بشعورها بالرعب من هذا الأمر، ما أجبرها على الصمت طوال هذه الفترة، مع أن مجلة أميركية يسارية اسمها رامبارتس (Ramparts) فضحت الأمر عام 1967، إلا أن أحداً لم يكترث لأسباب عديدة منها سياسة الرابطة اليسارية، إلى درجة ما، وتناقضها مع سياسات واشنطن اليمينية.
المؤلف الصادر قبل أشهر قليلة أثار عاصفة جلبت مئات التعليقات والتعقيبات بقلم كثير من الأشخاص والشخصيات الذين شاركوا في نشاطات الرابطة، وشعروا بأن دولتهم خدعتهم واستخدمتهم أدوات للتجسس على رفاقهم وأصدقائهم ومحبيهم وحلفائهم، وأن الطبقة الحاكمة خالفت القوانين المعمول بها التي تسعى إلى حماية الفرد من السلطة لا تحويل السلطة إلى أداة تنفيذية بأيدي الممسكين بها.
تعرض الكاتبة تاريخ نشوء هذه الرابطة وغيرها ودور السلطات والتنظيمات الشبابية الأميركية فيها، وكذلك دور العديد من الشخصيات القومية في تأسيسها وتشجيعها، وفي مقدمتهم السيدة الأميركية الأولى إليانور روزفلت، التي نشطت خلال حياة زوجها الرئيس وبعد وفاته، ما أدى إلى تعرضها لهجوم صحافي واسع النطاق بتهمة مؤازرة الشيوعية والشيوعيين، بذريعة الديمقراطية المفترض أنها لا تستبعد أي قوى، وأن قوتها تكمن في قدرتها على هزم الآخر بالحجة وبكونها فكراً وسطياً!
يتناول المؤلف عمل الرابطة بكثير من التفاصيل ويكشف أسراراً مختلفة متعلقة بعمل الطلاب ودور بعضهم في محاربة الفكر اليساري قومياً وعالمياً، إضافة إلى كشف دور المنظمات الدينية وفي مقدمتها منظمات الطلاب والشبيبة الكاثوليكية التي كانت متعاونة مع الرابطة في مجالات عملها الفكري والدعائي.
قدّمت الرابطة لائحة بأسماء الشيوعيين العراقيين لـ "حزب البعث"

تفاصيل عمل الرابطة أكثر من أن يضمها أي عرض، لكننا نشدد على أهمية المؤلف لأنه يتناول قصص تأسيس علاقات بينها وبين العديد من المنظمات الطلاب في المستعمرات السابقة، وفي مقدمتها مع الاتحاد العام للطلاب الفلسطينيين واتحادات الطلاب والشبية في مصر وسوريي والعراق ولبنان والأردن والجزائر، والأدوار التي مارستها داخل المنظمات الطلابية والشبيبة العالمية. وقد ذكرت الكاتبة في مؤلفها العديد من أسماء قيادات اتحادات الطلاب العربية ومنهم على سبيل المثال الفلسطينيان لطف غنطوس وحسن همام.
من المواضيع التي يكشفها المؤلف وقوف وكالة الاستخبارات المركزية وراء محاولة اغتيال الرئيس المغدور عبد الكريم قاسم، إذ عهدت بالمهمة لأحد رجالها وهو صدام حسين التكريتي. بعد إخفاق المحاولة بسبب اضطراب المهاجم، ساعدت على تهريبه إلى سوريا ومن ثم إلى مصر، بالتعاون مع الاستخبارات المصرية علماً بأن نائب الملحق العسكري المصري ووكلاء الـ "سي. آي. إيه" هم من استأجروا له شقة في بغداد في موقع يقع قبالة وزارة الدفاع. وعندما أقام صدام حسين في القاهرة، كانت هي من تكفل بمعاشه الشهري، أيضاً بالتعاون مع الاستخبارات المصرية، وكل هذا وفق ما تورده الكاتبة.
"وكالة الاستخبارات المركزية" وجهت تعليمات واشنطن إلى الرابطة بدعم البعثيين كونهم معادين للشيوعية، مع أنها صنفتهم على أنهم حزب فاشي. ومن ناحية أخرى، دعمت الشيوعيين ضد الاتجاهات القومية الناصرية.
ومن نشاطات الرابطة جمع أسماء الشيوعيين العراقيين، إذ قدمت لـ "حزب البعث" هناك قائمة بأسماء عشرة آلاف شيوعي، فتولى لاحقاً قتل خمسة آلاف منهم على الفور ولم يعرف مصير الكثير من البقية؛ ربما هذا يشرح قتل ثلاثة آلاف شيوعي إيراني من "حزب توده" عقب الثورة هناك عام 1979.
وقفت الرابطة إلى جانب الثورة الجزائرية لكسب ود المنظمات الطلابية والشبابية الإفريقية والأميركولاتينية وثقتها، لكن مع أن واشنطن كانت مستاءة من العدوان الثلاثي على مصر، إلا أنها لم تدنه إطلاقاً، كما ركزت الرابطة جهودها على كسب صداقة اتحاد الطلاب الجزائريين ورئيسه مسعود شلال لكونه وثيق الصلة بالروابط في تونس والمغرب، كما دعمت السكرتير العام للرابطة الجزائرية السيد أحمد طالب الإبراهيمي. في الوقت نفسه، قدمت الولايات المتحدة منحاً لطلاب جزائريين للدراسة في الولايات المتحدة. أما ممولة البعثات، فكانت وكالة الاستخبارات المركزية!
الرابطة نظرت إلى الاتحاد العام لطلبة فلسطين على أنه أداة مفيدة لاختراق التنظيمات العربية وفي مقدمتها حزب البعث والقوميون العرب، اللذان كانا منتشرين في معظم الدول العربية، من العراق والخليج شرقاً إلى المغرب غرباً. لذا، فقد أيدت الاتحاد بل شجعت على تأسيس فرع له في الولايات المتحدة الأميركية.
إنشاء رابطة الطلبة الأميركية ساعد وكالة الاستخبارات المركزية على التعرّف إلى كثير من الشخصيات والأحزاب والاتجاهات السياسية في «العالم الثالث». وقد ركزت الرابطة على عدد من الدول العربية والأفريقية والآسيوية وأميركا اللاتينية.
تؤكد الكاتبة أنّ روايتها تبقى ناقصة، وتتمنى على بقية الأطراف المشاركة في المنظمات الطلابية والشبابية كتابة نظرتهم للأمور كي تكتمل الصورة ما أمكن. ونحن نضيف تمنينا الشخصي، آملين أن نتمكن من معرفة تفاصيل تلك المرحلة والأدوار التي مارستها بعض الشخصيات والقيادات التي عهدت إليها قيادة العمل النضالي في تلك المرحلة.