نجيب مبارك *سيكون كلّ شيءٍ خاطفاً
سيكون كلّ شيءٍ خاطفاً
سيكون «تان تان» في الكونغو
وأنا في تطوان
لكنّنا نتراسل بالبريد،
ستكون رسالتي الأخيرة له
مرقونةً على جهاز بدائيّ
قبل نهاية العالم،
ستكون أُذني ملطّخةً بالتّحيات
ومعدتي منفوخةً بالأقاويل،
ستكون الكلمات مربوطةً كالكلاب
إلى عربة الثلج

والجليد متكوّماً تحت السرير،
سيكون العطر سائلاً في المراحيض
ليلَ نهار
والجواهر معروضةً على الرّصيف كالخبز،
ستكون القمصان بحجم ناطحات السحاب
والبيوت أصغر من علب الياغورث،
سيكون انخفاض الحرارة معقولاً
والأبواب موصدة،
سيكون النّبيذ على الشرفات
تحت حراسة النوافذ
والنجوم مصوّبة في اتّجاهي
ولا مفرّ،
سأكون متمركزاً فوق هاوية:
قلبي نافورة 24 ساعة على 24
وعقلي مزبلة كبيرة.
سيكون كلّ شيء خاطفاً.

خليّة نائمة

سواءٌ هوَت في باطن الكفّ أو على مقود سيارة، ارتطمت بزلّيج الحمّام أو بحافة البئر: اللّكمةُ هي اللّكمة. لا تكسرُ شيئاً في الواقع أو في المُحال لكنّ ألماً غامضاً يصعدُ منها إلى فصّ مُلتهب في الرّأس ويقيمُ هناك لأيّام. يقيمُ في منأىً عن فيروسات البرد والعواصف ومن غير حاجة لتلوين الصبر بأقلام الشّمع. ألمٌ يتوارى حتّى عن بؤبؤ الميكروسكوب قبل أن يخلو الرصيف من القطط والكلاب الضّالة، فيعود بمقدور الأصابع أن تتلمّس قُطن الشّاشة بحركات خفيفة. لقد أخطأت وجهَ من يستحقّها، ولهذا تصير مع الزمن قوّة كامنة في ثنية القبضة، مركّزةً في اللُّبّ ومن حوله، تنبتُ لها أنيابٌ حادّة وحراشفٌ تصطكّ ببعضها من شدّة القسوة.
اللّكمةُ خليّةٌ نائمة.

مُومياء على كونتوار بائع العقاقير

سأنزل إلى القبو لأضع هذه القناني في كيسٍ من الحجم الكبير. إنّه هبوط شبه اضطراري إلى جزيرة الطيور المنتحرة. لن أسمع صوت الغُراب الّذي ينعقُ في الخارج ولن يصلني وقعُ تهشُّمِ المصعد في البئر العميقة. سئمتُ ترديد نفس الأغنية: ليتني بحّارٌ يستطيع إرشاد المراكب إلى بحيرة السّهول. هل صار تغيير حجم الوسائد وداعاً باذخاً للعالم؟ لقد تركتُ السّتائر وحدها ترتعش وتقطر نجوماً افتراضية على الداخل. تركتُ بيتاً مُسيّجاً بقُطن الرّيح ولا تُقام فيه أيّ صلاة. لم يكن ذلك سهلاً مثل هروبٍ جامح إلى الغابة. لا، ولم يكن تفسيراً واضحاً للملَل بالهيرُوغليفية. قد لا يكفي التّحديق طويلاً في مُومياء مسجّاة على كونتوار بائع العقاقير لفكّ هذه الأسرار. إنها مومياء فاتنةٌ حقّاً، شرطَ أن لا يُسترق النظرُ إلى خُصلات شعرها التّالفة بخشوعٍ كامل.

اللّيلك

منذُ ربع قرن وأنا أجرّب أن لا أخسر هذه الكلمة: اللّيلَك. حاولتُ، بإصرارِ مقامرٍ، أن أضعها في أصيص من زجاج لا يرشح فيه ماءٌ ولا يجفل منه ضوء. تحايلتُ عليها لأغرِسها في حديقة تجارب ما بعد منتصف اللّيل، بلا جدوى. حتماً هي لا تريد لعطرها أن ينطفئ كالسّراب على فُوهَة الشّاشة، ولا تريد لزَهرها أن ينقصف على مراحل بهذه السّهولة. لكن، بكلّ صدق، هل مشَت طوال هذا اللّيل البارد عكسَ اتّجاه اليرقات؟ هل تعمّدت أن تترك الخيطَ ينسلّ عن آخره، لأكون راعيها الوحيد؟

الوندال

ثمّ جاء الوندال
وتوقّفوا تحت نافذتي.
دخلوا في صفّ طويل
ولم يخرجوا،
كانوا هادئين تماماً
كأنّ على رؤوسهم الطّير،
مرحين وسعداء
يُؤرجحون بأصابعهم الخشنة
تلك الأقفاص التي لطالما
التمعت بداخلها
مناجلُ من نحاس.
* شاعر مغربي