دمشق | «من أنا لأكتب عن رياض الصالح الحسين؟» كنت على وشك أن أقول ذلك لهم في الجريدة. الجريدة التي أكتب على صفحاتها، وقد قرّرت أن تحتفي بذكراك. حسناً، أنا لم أقل، ولديّ أسبابي، فهي فرصة أخرى لأتعلّق بأذيالِ اسمٍ كبيرٍ، أعرفُ كثيرين ممّن يحبّون اقتناص هذه الفرص، وها أنا أنضمُّ إلى القائمة. ولكن، ماذا سيكتبُ مثلي عن مثلك؟ ولستُ سوى واحدٍ من آلاف المعجبين، تعرّف إلى نصوصك بعدَ رحيلك بـ 17 سنة، فأحسّ أنه اكتشف كنوز الاسكندر.
كنت على وشك أن أقترح الاكتفاء بنشر نصوص لك، على امتداد الملحق هذا، لا لشيء سوى أنّها تبدو طازجةً مثلَ جرحٍ أحدَثهُ القنّاص للتو، ومُعاصرةً حتّى ليصعُبُ تصديقُ أنّ شاعرها قد ماتَ قبل أكثر من ثلاثين عاماً. بل ثمّة نصوص بينَها تبدو كأنّها كُتبت «الآن، وهُنا»، على وقع القذائف في درعا التي وُلدتَ فيها، أو تحت هدير الطائرات في مارع التي تنتمي إليها، وفيها دُفنت. مارع، تلك المنسيّة حتى وقتٍ قريب في الشمال السوري، والتي كانَ حرّيّاً بانتمائك إليها أن يمنحَها كثيراً من الشّهرة، أوَلستَ فتاها؟ تُغريني الفكرة، فأجرّب طرح سؤال عن «فتى مارع» على السّيد Google.
غوغل أيها الشاعر هو محرّك البحث الأشهر عبر الشبكة العنكبوتية في زماننا. نسأله، فيجيب. هو صورة عن طرائق تفكيرنا، وثيقة تؤرشفُ ما يحتاجُه «نَهمُنا المعرفي»، وهو بشكل أو بآخر، نحن. وها أنا أمضي إليه باحثاً عن «فتى مارع»، فتطالعني مئات النتائج بإجابات عن «حجّي مارع»! أعيد المحاولة باستخدام اسم المدينة وحدَه، فتطالعني مئاتُ النتائج عن «التنسيقيّة»، و«داعش»، و«الثورة»، عن الجيش، والنظام، والمعارضة، والشهداء، وعن «حجي مارع» ذاته. والأخير، يا شاعري هو واحدٌ من رجال الحرب السوريّة، بل من أشهرهم. آه، نسيت أن أخبرَك عن الحرب التي أخَذْنا إليها البلاد. أتذكرُ ما قلتَه عن البلاد في «خراب الدورة الدموية»؟ أتذكر؟ «أيتها البلاد المصفحة بالقمر والرغبة والأشجار/ أما آن لكِ أن تجيئي؟/ أيتها البلاد المعبأة بالدمار والعملات الصعبة، الممتلئة بالجثث والشحاذين/ أما آن لكِ أن ترحلي؟» لو تعلمُ أنّنا صرنا نتحسّر على تلك البلاد التي كنتَ تتوقُ إلى رحيلِها! اسمع هذا الخبر أيضاً، جرّبتُ طرح سؤال آخر على السيد غوغل، وكان هذه المرّة عن «حلب 77» ولم أُفاجأ هذه المرّة حين طالعتني النتائجُ مليئة بالقتلى، والشهداء، والبراميل، و«الفرقة 77» إلخ، ولم تظهر بينها قصيدتُك التي خصَصت المدينة بها «حلب 77»، وفيها تقول «أسأل حلب عن حلب، فتتخاذلُ أمامي مرتجفةً كالخريف»، لو تسألها اليوم يا رياض!
هل ستعتبُ عليّ لأنني حشرتُ الحرب التي تكرهُها في مقال يُفترض أنه يتحدّث عنك؟ ما حيلتي، وكلّما حاولتُ أن أقرأ عن حال البلاد اليوم وجدتُني أقرؤك أنت! حتى هنا كأنّني أُقلّدكَ إذ تقول «وكنت كلما جرّدت من يقتله الأعداء من أشيائه القليلة أجد بينها صورة فوتوغرافية لـ س». حسناً، ماذا سنفعلُ الآن؟ «ماذا نفعل إذا كان ثمة عيد واحد للقبلة/ وأعياد كثيرة للقتلة/ ماذا نفعل؟» سنحتفي بكَ حتماً، بحثاً عن عيد إضافي للقبلة. وسأكتب عنك، ولو لم نكن أهلاً لذلك. سأكتب عن «فتى مارع» نكايةً بالسيّد غوغل.