سامر سعدفي ذكرى رحيله العاشرة، أصدرت دار «لارشيبل» الفرنسية أخيراً كتاب «قضية عرفات... الموت الغامض للزعيم الفلسطيني» للصحافي الفرنسي ايمانويل فو. ويخلص هذا العمل إلى أنّ «الوفاة لم تكن طبيعية» بناءً على مجموعة شهادات ووثائق جمعها متعقباً المحطات التي مرت بها القضية منذ وفاة أبو عمار في «مستشفى بيرسي العسكري» في باريس قبل عشر سنوات (11 نوفمبر 2004) وحتى إعادة فتح الملف من خلال تحقيق قناة «الجزيرة» وتقرير مخبر سويسري عن تسمم الزعيم الفلسطيني بالبولونيوم 210، من ثم أخذ عينات من رفاته وتحليلها.

يطرح الصحافي ــ وهو رئيس تحرير في إذاعة «أوروبا 1» ــ سلسلة من الأسئلة حول «النقاط الغامضة» في القضية. يتساءل مثلاًً عن أسباب «عدم تشريح الجثة، واستبعاد الفرنسيين احتمال التسمم، وعن إعطاء أرملة عرفات وابن شقيقته ناصر القدوة ملفاً طبياً ناقصاً، وعن اختلاف نتائج تحليل رفات عرفات بين الخبراء الفرنسيين والروس والسويسريين، وعدم نشر تقرير الخبراء الفرنسيين على غرار الروس والسويسريين، وامتناع القضاة الفرنسيين عن الرد على طلب تعاون لجنة التحقيق الفلسطينية». وأخيراً يتساءل الكاتب: لماذا تبقى تفاصيل قضية عرفات مجهولة؟
لمحاولة الإجابة عن «ألغاز وفاة الزعيم الفلسطيني»، خاض الصحافي الفرنسي رحلة بحث وتحقيق قادته إلى رام الله والقدس وباريس ولوزان، التقى خلالها نحو ثلاثين شخصية من مسؤولين فلسطينيين وخبراء وقضاة وأطباء معنيين بالملف. وتطرق إلى «الصمت الفرنسي» حول الملف منذ وفاة عرفات وإلى الخلاف بين ورثته.
شهادات ووثائق جمعها متعقباً المحطات التي مرت بها القضية

وحين أرادت أرملته سهى عرفات فتح القبر وتحليل الرفات، عارض ناصر القدوة ذلك، مبرراً موقفه بالقول: «لماذا نطلب من القضاء جواباً لا يمتلكه سوى المسؤولين السياسيين؟».
ومن بين المقابلات التي أجراها المؤلف مقابلة غير مسبوقة، مع القاضي الفرنسي جاك كازو المكلف، مع قاضيين آخرين، بالنظر في الدعوى التي رفعتها أرملة عرفات ضد مجهول في محكمة نانتير الفرنسية عام 2012. إذ يرى كازو أن التقرير السويسري (الذي ترك مجالاًً للاعتقاد بأن عرفات ضحية تسمم) يتقاطع مع تقرير الخبراء الفرنسيين الذين شاركوا في فحص الرفات في رام الله (التقرير لم ينشر إلا جزئياً، ولا يؤكد التسمم). ويتوقف كازو عند جملة أوردها السويسريون بأن «نتائج التحليل تدعم باعتدال الفرضية القائلة بأن وفاته كانت نتيجة تسممه بالبولونيوم 210». هذه العبارة ـ وفق كازوـ كانت لإرضاء «طالبي وممولي التحقيق، أي سهى عرفات والجزيرة». كما أنّه لا يولي «صدقية كبيرة» لتقرير الخبراء الروس، الذين قالوا إن الأدلة المتاحة لا تثبت أن عرفات مات مسموماً، بل يعتبره «مسيّساً» ومكتوباً بلغة «لائقة دبلوماسياً»، لا تزعج شركاء موسكو وخصوصاً الاتحاد الأوروبي وإسرائيل. ويعتقد القاضي كازو أن الزعيم الفلسطيني توفي نتيجة «الشيخوخة». وبناء عليه، يتوقع مؤلف الكتاب أن يكون رد المحكمة على شكوى أرملة عرفات، خلال عام 2015، هو «أن القائد التاريخي للصراع من أجل الاستقلال الفلسطيني لم يكن ضحية جريمة».
وإذ يستدعي المؤلف الرهانات السياسية لغياب الزعيم الفلسطيني، فإنه يترك الكلمة الأخيرة للأطباء. فهم لا يجمعون على فرضية التسمم بالبولونيوم 210، لكنهم يتفقون على أن نتائج الفحص السريري خلال الأيام الثلاثين الأخيرة من حياة عرفات، ليست لرجل «توفي بشكل طبيعي بسبب الشيخوخة أو المرض». ويعتقد هؤلاء بضرورة اعتماد فرضية «التسبب في الوفاة». نتيجة من شأنها إبراز جانب مهم من الحقيقة التي قد لا تكشف أبداً!