صادق چوبك *ترجمة: غسان حمدان
كانت العين جاهزة، فوضعها الطبيب في محجر الطفل وقال:
- افتح، افتح عينك، أغمضها الآن، أغمض. جيد. صارت كالسابق.
ثم استدار إلى والد الطفل وأمه، وقال:
- انظرا: إنها دقيقة مضبوطة الحجم. لا تنحشر شعرة بين أجفانها.
كان الطفل في الخامسة من عمره، وكان واقفاً مستقيماً قرب منضدة الطبيب. كان أبوه وأمه يقفان جنبه. كان أبوه وراءه ومقابل الطبيب، ينظر بشكل مائل إلى وجه ابنه. وكانت الأم تقف على الجانب الآخر، ترى قفا ابنها ولم تتقدم كي ترى «دقيقة مضبوطة الحجم، لا تنحشر شعرة بين أجفانها».

حلّ الليل الآن، وقد جلس الطفل ذو العين الزجاجية وأمه وأبوه في البيت حول مائدة، وكان ثمة طفل آخر، رضيعٌ ملتصقاً بثدي الأم. كان شارب الرجل الأسود الغليظ قد تدلى إلى مائدة المنضدة البلاستيكية، ونامت نظرته المائلة على وجه الطفل ذي العين الزجاجية.
- «عزيزي علي، صارت عينك الآن كما كانت سابقاً، مثل عيوننا». قال الأب ذلك، ورفع عن الرّف مرآة صغيرة ووضعها أمام الطفل. بقي الطفل محدقاً بثبات في المرآة. حدقت عينه الزجاجية، بلا حركة، ودامعة، إلى جانب العين الأخرى التي كانت سالمة، في المرآة بثبات. ثم فجأة ضحك في وجه أبيه. كانت الأم قد نديت عينها ولم تكن تنظر إليهما، بل بقيت تحدق إلى خد ابنها الرضيع.
راح نور المصباح يرتعش
بفعل ثقل الدمع


نامت نظرته المائلة على وجه الطفل ذي العين الزجاجية

مرة أخرى ارتفع صوت الأب:
- أليس كذلك، يا أيتها الأم؟ ألم تَصِرْ عينا علي الحبيب كالسابق؟
ابتلعت الأم اللعاب اللزج المتجمع في أسفل حلقومها وهزت رأسها، وراح نور المصباح يرتعش بفعل ثقل الدمع، وقالت بصوت مختنق:
- نعم، مثل سابق عهدها.
ثم احتضنت الطفل الرضيع سريعاً ونهضت وأخذته إلى المهد في زاوية الغرفة حيث أنامته.
انطلق الأب، فذهب قريباً من النافذة ونظر إلى الحديقة، ومضت الأم إلى جانبه ونظرت إلى الحديقة المظلمة الخالية والباردة. أحس الرجل بظل المرأة الدافئ وراءه، فقال بصوت جاف مشروخ:
- لم أعد أحتمل. لا تتركيه وحيداً. اذهبي إليه.
ارتعش صوت المرأة، واسودت عيناها وأنّت:
- «إنني على وشك أن أقع. إن استطعتَ اذهب أنت إليه»، فاستدار الرجل وحدق إلى وجه امرأته. كان خداه رطبين وانعقدت حبّات الدمع على شاربيه كقطرات ندى. قالت المرأة:
- لو رآك على هذا النحو. امسح دموعك.
وراحت هي تبكي وطأطأت رأسها وأخذت تنظر إلى قدميها الحافيتين. أمسك يد المرأة وقال:
- لا تفعلي. هيا، نذهب إليه. إنه الليلة أكثر سروراً من أي وقت مضى. ألا ترينه يضحك؟
ومسح عينيه، وسحب مخاطه إلى الأعلى. ارتعش صدر المرأة وكتفاها وابتلعت بكاءها. وذهبا معاً عند الطفل. وقفا عند رأسه وراحا ينظران إليه.
كان الطفل قد وضع المرآة على المائدة وأخرج عينه الزجاجية من المحجر ووضعها على المرآة وكانت كرتها ذات البياض الكثير، ببؤبؤها الميت، قد برزت على المرآة، على نحو مائل. وقد انصرف إلى التحديق فيها مندهشاً وكان محجره الأسود والفارغ، يسخر فوق العين الزجاجية.

* صادق چوبك (1916 – 1988) كاتب إيراني يعدّ مع صادق هدايت ومحمد علي جمال زاده من رواد القصة القصيرة الإيرانية.