ترجمة وتقديم: مريم حيدري
إلياس علوي (مواليد 1982)

/1/
حين تضحكين
يبرد الطقس

كان لينقص السماء فصل
إن لم تكن أسنانكِ

/2/
جالسة على السلّم
بحذائكِ القُطني
ومعطفكِ الأخضر
البردُ
محدّق في وجنتيك
دون رفّةِ جفن.
أنفاسكِ
شايٌ ساخن
لعابري الغروبِ المتعَبين
ذاهبة أنتِ
وجالسٌ جمالُك على السلّم.

/3/
من الربيع
يبقى التقويم
ومنّي
تبقى العظامُ التي كانت تحبّك.

■ ■ ■


معصومة موسوي (مواليد1987)

/1/
نافذة على الشارع
نافذة على المدرسة
نافذة على أشجار بيت جارنا
الظلام غادر بيتنا
الظلام غادر بيتنا
حان وقت الاستيقاظ من النوم الطويل
وغسل اليدين الرماديتين
احتساء كوب شاي دون أدنى شك
والذهاب إلى المزرعة
إنه أوان الغرس
«سارا» تذهب إلى الروضة
«يوسف» إلى المدرسة
أما «كاكا إسماعيل»
فقد أحرقوا كتبه
في السابعة من عمره
وانكسر قلمُه
كانوا يكتبونه بالبندقية
وهو يذهب اليوم إلى المزرعة
ويغرس حبّاتِ قلبه في أرض جدّه
«كاكا إسماعيل» شجرةٌ هرمةٌ
تحبّها الطيور.

/2/
وتسقط مني
هذه الورقة أيضاً
كي تصل إليك
عبر هذه الريح
لكن الجدران عالية
وقلبي سفينة مكسورة
ملقاة على الشاطئ
متى يأتي الربيع؟
متى تعود الطيور؟
بعد كم مرة من الثلج؟
كم من سلالة ينبغي أن تذوب
خلف صمت هذه النافذة
ومع هذه الشمعة؟
الخريف فستاني الأصفر
وهذه الورقة أيضا تسقط مني
إثر الأخريات.

■ ■ ■


محمد سرور رجائي (مواليد 1964)

/1/
ملكة
(إلى ابنتي وسنواتها السبع)
كل يوم تسطعين
كل يوم
تتحدثين بلغة طفولتي
تضحكين
تبدين رائعة
مثل رسومك.
رسومك
مملكتي الجديدة
مليئة بالشمس
والجبال والغابات
وسماء
تذكّرني بأمي.
***
يا ملكة لمدينة أحلامي
يا أميرة الحكايا!
يبدأ الربيع بابتسامتك
والفراشة
تخفق بك
الملاك
يغني معك
والشموع
ترفع القبعة
احتراما لسنواتك السبع
وتنطفئ.

■ ■ ■


لحاف الأرض
(إلى عائلتي الفلسطينية)
أطوي الجريدة
أطفئ الراديو
لكن التلفاز
ينثر الإسمنتَ نحو السماء
والدمَ في الشارع
أطوي الجريدة
أطفئ الراديو
غير أن التلفاز ما زال يرتجف
من الانفجار
وأنا أرتجف من العبرة
عندما أرى
أباً يستند إلى كتف الجدار الهزيلة
وأمّاً تزيح لحاف الأرض
لتوقظ العالم.

■ ■ ■


زهراء زاهدي (مواليد 1981)

الربيع
يتدلى الربيع من أشجار المدينة
ويشرئب من أصص العيد الخضراء
وأزهار السجاد الصغيرة.
بلغ الربيع مزارع الخضار
وحقول القمح والخس
وأحواض تربية الأسماك.
تعال على مهل أيها الربيع
فمجيئك نهاية الحياة لأبي معصومة.
أيها الربيع!
أيها الربيع!
تعال على مهل
الأسواق مكتظة
والمكسرات والفواكه كثيرة...
ولكن
بنت بلدتي ما زالت تبيع مقابض المطبخ.
تعال على مهل
إطارُ السجاد ما زال مرتفعاً
و«كُل بهار» تفكّر في معجزة
لتوصل عروق أمها الجافة بنهر ما.
في الليل
تتصاعد من أبي رائحة الاسمنت
والتراب
والحياة
ورائحة الخبز
والحبّ...
ماذا تريد من عظامه المنهكة أيها الربيع؟
كلّ عام
عندما تصل
ينحني أكثر
ومن أنينه
تبكي الملائكة على كتفي.
كلّ عام
عندما تصل
تصبح الشوارع جديدة
والثياب جديدة
والأيام جديدة...
ولكن.. لماذا لا يغدو حذاء «علي» جديداً؟
في أي بيت تركتَ
كرمَك؟
الشجرة
النبتة
قررت
أن تسرق
ماسة
من السماء
فطالت
إلى
أن
أصبحت
شجرة.

■ ■ ■


گلنور بهمن (مواليد 1967)

/1/
أيتها الشمس المكبلة دوماً بالأغلال
أيتها المسجونة
....
المنفيّة الكبرى
من قائمة الأشياء المعترف بها
أيتها الحرية!
هل سترفعين علماً
على برج هذه الليلة الدامية
قبل أن تكف ساعة العالم عن الدوران؟

/2/
وحده
لا يكفي الموت
ينبغي
أن نموت في المكان المناسب
وأنا
سوف أموت عند قدميك.

■ ■ ■


حكيم علي بور (مواليد 1987)

قلبي
قلبي، يا قلبي
الكلمات ليست ألعوبة
الحجَرة ليست ألعوبة
البندقية ليست ألعوبة
والرصاصة لا تمازح أي قلب
أنت تسحب زناد البندقية فقط
ويسقط الحنان على الأرض
ثم لا ينهض ثانية.

قلبي!
الأمنيات ترحل كما تأتي
وتمكث للحظات فقط
لتذكّرنا بحسرتنا الدائمة.

قلبي!
أنت مدينة بجدران من الدم
أدمغة من الدم
أناس من الدم
مصارف وعملات معدنية من الدم
وحكام متعطشين للدم
تخيّل الآن
ما يمكن أن يحدث لك.
قلبي!...
قلبي!...
قلبي مساحة جغرافية يسمونها أفغانستان.
أمنيات
يا لها من أمنيات تختزنها في قلبك أيها الإنسان الثلجي!
بيديك الموازيتين في كلتا الجهتين من الأرض
وبقدميك اللتين تمدّان جذورهما في كل الأشجار
وبعينين تحدقان على أشدّ طيور العالم لامرئية.
يا ترى هل تعرف
أن الشمس ستشرق يوماً
وتذوّب أحلامك؟!
هل تسمع؟!
في النهاية هذه هي حكايتنا
نمّحي في مسالك الطريق على جبل
ولن يبقى سوى
أثر أقدام مجهولة.

■ ■ ■


شکرية عرفاني (مواليد 1978)

بحث
قل لي على أية حدود
خلف أية أسلاك شائكة
أطلقوا النار عليك؟
أو في أيّ بحر
دمُكَ
غرَسَ شهوةَ أسماك قرشِه
في روحك؟
كي أعثرَ عليك
بحثتُ في كلَ صحف العالم
في كلّ القبور المجهولة
وفي أحضان المومسات في كلّ الحوانيت البعيدة
كي أعثر عليك
أنت الذي
لم تسمح أن يكون وطنُك
ذراعيّ العاريتين
حتى تنام كلّ ليلة
بين خمائلي الرطبة
وكلّ صباح
تفتح عينيك
مع بزوغ الشمس من بين نهديّ
دون أن تأخذك أيةُ حربٍ مني.
كنتُ واقفة
كي يجلدوني
يمثلوا بجثتي
وبدلاً عنك
يدفنونني
في القبور المجهولة
كنتُ واقفة
كي تقرّر أنت
وحدك
أن يكون وطنَكَ
ذراعاي العاريتان.
لكنك لم تشأ
وقبضة من الأكاذيب
كانت كلّ ما سلّموني.
لم أجدك أبداً
وبعد ذلك
أصبح هذا الجسدُ
سجناً مظلماً مجنوناً
بين جدرانه
يشنق نفسه ألف مرّة في كل يوم
ولا يموت.

■ ■ ■


سيد أبو طالب مظفري (1965)

أنتحر
حبيبتي
كتبتِ في إيميلك الأخير
أنك في الحدود اليونانية هذه الأيام
كتبت أنك تساومين الملاحين السكارى
وتلتمسين مهرّبي البشر
وعرضتِ فتنتك الأنثوية كلّها في المزاد
ليأخذوك أسرع ما يمكن
إلى البعيد
إلى أبعدَ
من سواد
اسمه الوطن.
طلبتِ أن أكتب قصيدة
تكون ترياقاً للسعات من يرافقونك في الطريق.
هل أفكر بكِ الآن
أم بجروح «كابُل» العفنة
والدود الذي يتسلّق قدمي
قاصداً فتح جسدي.
أشبه جثة أخذت تبلى
وأخطأ حفارو القبور
في موعد دفنها
أنتِ المسافرة الحتميّة في الرياح الغريبة
وأنا الكائن الحتميّ لهذه التربة العجيبة
غريب هنا وهناك غريب
كأنما العالم
لا يطيق زحمة الغرباء
إذ ترمي الريح كلّ ورقة منا إلى جانب.

■ ■ ■


حبيبتي
منذ ثلاثة أشهر وأنا في كوابيسي أضع قدمي على الفئران
أحلم أن مدينتي شُيّدت على بيت النمل
أسمع صوت معاول
تبحث في رأسي
وتحفر في أعماق وجودي بشكل مشكوك فيه
الأيام
غريبة
غريبة
أتسكع في طرق دار الأمان
وأزقة وادي «برشي»
باحثاً عن جحر الفئران القاضمة
ثم قريبا سيلقون القبض عليّ
في يوم من هذه الأيام
بتهمة أنني انتحاري
وأني شاعر
أتيت من إيران
وعلى فمي كلمات أجنبية
قيل لي:
خبراء اللغة
لاحظوا في لهجتك نسبة كبيرة من الشوائب.

■ ■ ■


حبيبتي
لا أغنية بقيت في حنجرتي
ولا لون في عيوني
يفجّرون كياني
كما يفجّرون أصنام «باميان»
ينهبون حروفي
كما الألواح الحجرية في مقبرة «كازركاه» بهرات
يسرقون كلماتي واحدة تلو الأخرى
كما مصراع بوابة قبر ناصر خسرو في «بدَخشان»
ويسرقون تنويمة أمي
ولحنّ أبي عندما يقرأ الشاهنامه
وأساطير بلادي
أليست اللغة بيت الوجود؟
قريباً وفي يوم من هذه الأيام
سيأتي رجل من الأمن الوطني
ويأخذني نحو معتقل
«بلكرام»
بتهمة عملية انتحارية بالكلمات الفارسية
سيأخذون دفاتر أشعاري
وسيقولون إنني كتبت فيها بلخ
كتبت شيراز
كتبت مولانا
كتبت شمس
سأنتحر بحزام ناسف من الكلمات
بقنابل القوافي
بعناصر الشعر والقصة
لم يتأخر الوقت بعد
لأضرب وزارة الثقافة بشاحنة مليئة بالشعر.
دعينا من هذا يا حبيبتي!
اعذريني لأنني أهملك
ولا أكتب لك قصائد حبّ
فقد نسيت الشعر والأغاني
فمي ينزف
ولا يمكن الحديث عن الحبّ بفم نازف
سمعتُ أن سفينة تحطمت في شواطئ أستراليا.

■ ■ ■


حبيبتي
لا تسألي عن الوطن
فقد قضمته الفئران
ولأريحَ بالك
إن وضعت بعض الحصى في سطل من الصفيح
وهززته
ستكون نتيجته: أفغانستان.
ولا جدوى بعد الآن حتى من هذه الشجرة المقدسة
فقد تركها الدود جوفاء.

■ ■ ■


خالدة فروغ (مواليد 1970)

الفتيات
الفتيات، المساءات الفارغة من الأمل
الفتيات، الانكسارات الصامتة
أيتها القناديل في السماوات المحترقة
انطقن معي بحبّ
عن الصباحات الضائعة.
الفتيات، هوياتكن
هوياتُ العداوة
وهكذا
إن استمرّ الغروب في أعينكن
وهكذا
إن غطى وفاؤكن
السواقيَ الصغيرةَ الدنيئة
وإن بقي اليقين هكذا أسود
فسوف تتحوّلن إلى طريق حجريّ.
حقيقة الحب البيضاء
حين أفكّر بأحزان الليل
أتذكر جدائلي التي
كانت تفوح من سلّمِ سلالتها
رائحةُ الغربة والانكسار
والآن وأنا أضع وسادةَ صمتي تحت إبط الليل
لن تطأ قدمي
أزقةَ النوم
وسوف أرافقكِ إلى الأبد يا حقيقة الحبّ البيضاء
الأرضُ لم تطِقْ ملحمةَ صوتي
وقد بلغت الآن حدودَ أفكار الغيم
صوتي يصبح شلالَ القمر
وعندئذ
يسودّ وجهُ غبطةِ العطش.

■ ■ ■


هادي هزاره (1988)

/1/
ضحكنا طوال الليل
بحثنا كل الطرق المؤدية إلى الحانوت
أغلقنا البوابة
ومن فوق الجسر
ألقينا بأنفسنا في البحر
قلتُ: كأنما وردة احمرّت على فمك
هممتُ بفتح العقدة الصغيرة في شفتيك
فيما أنتِ أغمضت عينيك
أغمضنا عيوننا
ثمّ أيقظتْنا الشمسُ
برماحها.
عزيزتي
ينبغي أن ننهض ثانية
ونغسل أيدينا، وشفاهنا، وعيوننا
ننسى نبيذ البارحة وجميع الضحكات
ونعود إلى أشغالنا الإجبارية.
/2/
لم أخطُ أبداً
خطوةً بهذه الخفّة
في الزقاق
لا حاجة للأزهار والبرسيم
أنا أسكر بهذا القشّ
أمدّ يدي وألمس الأغصان المزرقّة والسعيدةَ
والمبتهجةَ التي تشرئبّ من الفناء
لم أشاهد الجبل المقابل أبداً
بهذه الكبرياء
ولم أطيّر ابتسامتي
بهذه البلاغة.
كنت أنادي الحرية في الزقاق
وأفكّر
أيّ طائر
سيأتيه يوم
لن يبني بيته
بالأغصان المكسورة.
وسمعت في الزقاق
كان «الطالبان» نائمين
و«الناتو» أفرغ خزانتنا
شيئاً فشيئاً.