مبارك وساط
أَحْجارُنا ما تزالُ على نَزَقِها

غُيُومٌ داكنة تَسْري في الأعالي مُتَجَهِّمةً
كأنّما هي بدورها مُتعبة وضَجِرة
هذا ما قلته لنفسي وأنا أسيرُ في هذا الاتّجاه ثم
في ذاك
إنّي حائر، وهذا يجعلني
أضحك وأعزف على
هَرْمونيكا خياليّة
حقّا كانتْ هنالك سهرة على شاطئ المدينة الهادئ
لكنَّ ذاكَ كان البارحة
وحقًّا كان هنالك تمثال
يَنْحَتُ فلاحين وأبقارا في قرية
لكنَّها قريةٌ تنأى دائما في الأصباح
عمّن يتّجه صوبها

وكثيرٌ من المدفونين فيها ماتوا
جرّاء سقوطهم عن سُطوح
لذا فأنا أُحرّكُ كتفي السّاخنة
أغذّ السّير صَوْبَ الزهرة التي اكتسبتْ شُهرةً
لديَّ بعد أن ترافقَ عِطْرُها وَقَلَقي
في طرق وفي العديد
من محطات القطارات

سأجلس قليلاً قربك أيتها الزّهرة
مثلما يجلس إنسان قرب قلبه
وأستعيد أصباحاً كنتُ قضيْتُها وأنا طفل
على شاطئ المدينة هذا الذي أرى الآن جانباً منه
هنالك خلف الأشجار
آه! في تلك الأيّام كانت الكلمة العليا في هذا الشّاطئ
لجرادة
وقد انقلبتْ في السّنة الماضية
حوريّةَ بحر!
وفي انتظار الوصول إلى زهرتي، هذه نصيحة منّي
إليكَ أيُّها العابرُ بقربي
إليكِ أيَّتُها العابرةُ جنبي
لا يَدلِفَنْ أَحدٌ منكما إلى هذي الحديقة المتوحّشة
التي هي الآن قبالتي
إن شاء ألا يُكْسَرَ له ضلع أو يَلتمعَ دَمٌ
على جبينه
ففي جنباتها عِشْنا زمنًا شقاوة طفولتنا
نتمرَّنُ على تصويب أحجار إلى أيٍّ منّا
كان يقبل أن يَعتليَ شجرةً ويتقمَّصَ شخصيَّةَ
غُراب
كبرنا الآن طبعا لكنّ أحجارنا ما تزال
على نَزَقها
أما الصَّفير الذي كنا نجمعه وقتها في طاسات
فقد شتَّتَتْهُ الرّيحُ في كلّ الاتّجاهات
وحقًّا لا أعرف في أيٍّ من أصقاع الأرض
تلتقطه الآن آذان
ولا في أي القُرى يُطفئ شموعاً
أو تحسِبُه كلابٌ سائبة
مُوَجَّهًا إليْها

حميميّة

عن خَدّ شجرتي اليافعة
أنفضُ غبارَ النّجوم
فيما أزهارٌ شرسة تتسلّى
بالتّلصّص على الذئاب العمياء
الغافية في قطارات سريعة 
تخترق المدينة في ظلمة الليل هذه
وعلى غير انتظار: هذا الشّفق الذي
يبزغ من قنّينتي
الفارغةِ منذ
ساعات!ـ
يبزغ وينتشر
ويلفّ قامات السّاهرات قُرب
ظلالهنّ
المضمّخات بضحكاتهنّ
في هذه الليلة النّاشِفة
إلا من عرقِ
نحورهِنّ.

الأخبار القادمة

الأخبار القادِمة من الغابة القريبة
تؤكّد أنّ الأشجار العسكريّة
التحقتْ بمواقِعها في الأقفاص الصّدريّة
للموتى
إنّها حربٌ جديدة قد بدأتْ
وها أسنانُ الجواسيس قد انتشرتْ
في فضاء المدينة
وثمّة من لمْ يُغادر بيته ومع هذا
أصبحتْ له ساقُ محارب
مُثقّبةٌ بالرّصاص
وفي الشّوارع رُئِيَتْ نساءٌ
منقّباتٌ بشفاههنّ
والمغنّي الذي كان قد عوَّدَنا
على مَرَحه ودَنْدناته
انكمش في زاوية بزقاق مهجور
حيثُ يتتبّع هَلْوساتِ عِظامِه
كما لو كانت شريطاً سينمائياً!..
لكنْ جميلٌ أنْ تكونَ قد جاءتْ لنجدتنا
هذه البِركة
التي يُقال إنّها
سليلةُ جبلِ جليدٍ مَهيب
أن تكون قد وصلتْ كلُّ هذي الأجراس
وهذه السّمكة التي هي كُبرى
وزيرات البحر..ـ
جميلٌ أن أكون جالساً إلى هذه الطاولة
التي ترتعش تحت كل هذا الهدير
ولا تقلب إبريق القهوة الصّغير هذا
المُرصّعَ بنقوشٍ تُخَلِّد ذكرى فراشات
عاشَتْ في محاجر أسلافنا
وكانتْ لهم أحلاماً...
لكن، هذا الإبريق
كيف وصل إلى بيتنا؟
رفيقتي التي حدَستْ تساؤلي
قالتْ إنّهُ من إنتاج
مَصنع خالها