أنطوان أبو زيد *
نسيان

ما رأيك ؟ أسألك عن النسيان؟
مواطن المدينة، مثلي، عرضة للنسيان
جاري أيضاً، الذي أراه يشوي نهار الأحد على فحم
الشجرة اليابسة، ويبتسم لامرأته الصهباء، ثم يصرخان
سوية على الإثيوبية لتسرع في الغسيل.
أنا أيضا أنسى اللحظات التي ظننتُ أنني امسكتُ فيها
قلبَ التراب، وعجينة العشب وأنا فتى، حافٍ
وماشٍ في السواقي لأجل روحي، لتبتلّ
وتنغرس في مشروع الشجرة الكبير.

نسيتُ الغابة، لا كما نسي العصفور أصلَه،
ولا كما الغيمةُ إشارة المرور الى
البحر.
نسيتُ. أعني، تذكّرت أني نسيت
أصدقاء كثيرين، وضعتُهم،
في سلال يافوخي الصغير، وصرتُ
أُطلعهم بحبل الصدفة القصير،
ثمّ أنقدهم ليعبروا بالسرفيس الى سجلّ الأمانات
حيث يتجمّع حشدٌ من السحرة المرضى،
وكهنة متمرّدين، بدعم لا مرئي، وأشقياء مكللين
بميداليات عتيقة وسجائر ذات مذاق حرّيف،
ومجنّدين تائهين في برّيةٍ ذات
نصالٍ مهشّمة،
وأطياف كلاب تدقّ الباب بقوائمها ولا تزال،
ومجرّات بعدد خلايا اليد اليمنى، وهي تحاور
وحدها، الخواء،
ورفيف الهدهد الذي حمل معه، ربما، أحلام
أكثر من نصف الشجر والعشب، بلا كلمة.
هذا أنا. نسيان. حتى أني أقول: نسيان
يعلق في المصعد. نسيان يدخل إلى سيارته
ونسيان يُمضي نهار الأحد، في ضواحي النسيان
الشمالية، ناظراً الى سماء نسيت
رياحها في مكان قصيّ والأمطار
وقعدت مكاني،
تلعب لعبة
الصحراء.
23-2-2014

بروميثيوس الجديد

لا أعرف أحداً وأنا صاعد الى الطوابق العليا
ولا يسألني أحد عن السلام الذي يُصنع في ورشٍ للدهان
فقط السيريلانكية، يوم السبت، تضحك لي ولامرأتي
«مستر، بدي واتر للدرج»، ثم تأتي برفيقها الى حفلة البخور.
لا أعرف إلا اليمامة الصغيرة، زائرتنا في كلّ الفرص، وهي
التي كسرت باب الكلفة بيننا، وراحت تنظر بعينين سوداوين
إلينا من دون أن تبتسم أو يعلو ضحكُها لمرآنا ونحن نلوّح لها
ساذجيْن، طائريْن من المفاجأة. وهي تستغلّ ذلك، وتزيد
التنزّه أمامنا على الدرابزين الحديد.
لا نعرف أحداً. نسمع شجاراً أحياناً، وبكاء أطفال، ووقع أقدام
لنساءٍ، على الأرجح، يُعِدن تنسيق الأحلام لتطير أو تعبر،
على الأقلّ، الطابق السادس، ومنه الى أول غيمة
عابرة.
لا أعرف أحداً. هذه لازمة تنفع لقصيدة بروميثيوس
الخالية تماماً من الصخور أو المثاقيل التي حملها، لزمن بعيد
جداً. بالكاد أعرف الجواب عن المساء الهابط
ورذاذ المطر العجيب النازل، ههنا، كسائح أجنبي.
ربما أعرف غداً، وأنا صاعد، بلا عضل يُذكر،
إلى حلُم البناية
الأعلى،
ثم أهوي.
14- 2-2014

تدبير

ماذا أضع في القصيدة؟
منشر الحديد، على شرفة مشمسة؟
برجٌ من الكتب المتروكة بلا دموع ظاهرة؟
مصارعة الصبيان الحرّة؟
النّقاء الذي لم أجده على البار المعلّق
حديثاً، في المطبخ؟
ربما أضع هديل اليمامة، هذه الباحثة الصباح كله
عن الكنز، في قمة السروة؟
بعضهم قال أن أحذف الغيم لأنه غير جادّ في
المسيرة الكبرى،
وأضيف المصعد مكانه، ناقل العجائز والحالمين
ببدائل عنهم بأثمان معقولة.
أو أدخل الشراشف الصفراء على صوَر الموتى لئلاّ يزداد
أرقهم، في مقبل الخريف؟
أم تراني أترك جدرانها، أي القصيدة، مفتوحةً، على الطراز
الأميركي،
ثم ألحّم جناحين كبيرين على كتفي المنزل،
وأقعد، هنا، عاطلاً عن النظر، مفكراً
في من يطير أولاً.
24-11-2013
* شاعر لبناني