«كتبتُ هذا الكتاب لجمهور غربي في المقام الأوّل. شعرت بأنّ من واجبي الشروع في هذه المهمّة حين رأيت توظيف الحركات النسوية واستخدام القلق «المُعلَن» بشأن النساء المسلمات في تبرير تصعيد التدخّلات العسكرية والأميركية في منطقتنا، أوّلاً في أفغانستان ثمّ في العراق. لقد كانت الحرب تُشَنّ باسم إنقاذ النساء المسلمات».
سالي دافيس ــــ «امرأة مسلمة» (2022)

بعد عشرين عاماً على هذه الدراسة القيّمة، صدرت أخيراً النسخة العربية من كتاب الباحثة الفلسطينية الأميركية ليلى أبو لغد «هل تحتاج المرأة المسلمة إلى إنقاذ» (صفحة سبعة ـــ ترجمة محمد الرحموني). على طول الفصول الستة للكتاب الصادر بالإنكليزية عام 2013، حشدت الباحثة الحجج والدلائل والأفكار حول الافتراضات السائدة في الولايات المتحدة وأوروبا في ما يتعلّق بالقضايا الخاصة بالمسلمين وحقوق المرأة، ومختلف أنواع التوجهات النسائية السائدة اليوم. افتراضات يمكن أن تخلق ما يسمّيه المفكر الإيطالي أنطونيو غرامشي «الحس العام». بعد كتابها الأول «مشاعر محجّبة» (1986) الذي درست فيه مجتمع البدو في صحراء مصر الغربية وعرضت فيه العديد من الأمور المذهلة مثل القصائد الشعرية المؤثرة التي كانت النسوة في تلك المنطقة يزهون بها ويتحدّثن فيها عن آرائهنّ في الرجال والعلاقات الاجتماعية والحياة عموماً، تابعت أبو لغد في كتابها الثاني تظهير فردانية الكثير من تجارب النساء العربيات والمسلمات، ولا سيما في مصر وفلسطين ومراجعة كل نزوع أنثروبولوجي غربي نحو تصنيف الثقافات انطلاقاً من أفكار شائعة تُغلّف بلبوس علم الاجتماع. كما حددت للدراسة هدفاً يتمثّل في تغيير نظرة الجمهور النسوي للموضوع، مع أمل بأنّ ما جمعته من إفادات قد يُقنع هذه الحركات بصعوبة الإحاطة بالنظام الأبوي أو الوقوف على كيفية اشتغال السلطة على نحو دقيق. أهمية هذا الكتاب في خضمّ الأحداث التي عصفت بالمنطقة منذ الحادي عشر من سبتمبر التي ربطت عمليّاً بين صورة المرأة المسلمة المضطهدة وبين المهمّة المنوطة بالغربيين لإنقاذها من براثن هذه الثقافة، هو في الكشف عن الفجوات والأخطاء القاتلة التي اكتنفتها هذه الجدلية. إذ إن الحركات النسوية التي توجّهت إلى أفغانستان مثلاً بكل جهازها الإنساني والقانوني، ما لبثت أن نقلت منهجيّات عملها وأدواتها إلى العراق حيث كان حظّ المرأة من التعليم والعمل وحتّى المشاركة السياسية هو الأوفر مقارنة بنظيراتها في العالم العربي. كما تغفل التنوع الهائل في حياة النساء اليومية وتطلّعاتهن داخل العواصم العربية وتلك العوالم ذات الغالبية الإسلامية. اختارت الباحثة توجيه حججها نحو المناقشات العامة المحمومة في الولايات المتحدة وأوروبا وأستراليا، حيث يجري تحويل الحجاب والشرف والدين والختان إلى أسلحة وجعل هذه المواضيع جزءاً من «الشرق الساحر الغريب»، مع ما ينطوي عليه ذلك من تداعيات قاسية على النساء المسلمات اللواتي يعشن في هذه الأماكن. تنجح الدراسة في موضعة معركة النساء في العالمين العربي والإسلامي في سياق المعركة الكبرى لاستعادة الكرامة والأمان والعدالة عند هذه الشعوب: «موقفي ليس معادياً للنسوية على الإطلاق، بل آمل أن يؤدي إلى فهم أعمق للقوى المتعددة التي تعرقل العدالة التي تسعى إليها النساء، أيّاً كانت اللغة التي تعبّر عن رغباتهنّ في العدالة والكرامة. تشمل هذه القوى بالطبع السياسات الخطيرة التي تمثّل النساء المسلمات كمجموعات متجانسة يجب التحدّث عنها، بغضّ النظر عن هوية المتحدّث، والسياسات الاستراتيجية والمحلية التي تعمل على تكميم أفواه مجموعات معيّنة، وجعل الحياة غير آمنة، وتقويض احتمالات النقاش والنقد الصريحين اللازمين للمجتمعات لمعرفة كيفية جعل العالَم أكثر عدالة أو فتح الباب لجعل الحياة أكثر أماناً وكرامة للجميع. مثل هذه القضايا لا تختلف في حيويتها وإلحاحها في العالم العربي عن أيّ مكان آخَر».