إنه العراق بكل آلامه وأحزانه وأنهار دموعه الشبيهة بدجلة وفرات حين يلتقيان عند شط العرب ومآسيه المستمرة منذ كربلاء نجده حاضراً بكل قوة في روايات سنان أنطون (1967): لم يترك صاحب «يا مريم» و«وحدها شجرة الرمان» مرضاً من أمراض المجتمع العراقي، إلا وتناوله بمبضع النقد والتشريح، من الديكتاتورية التي استحكمت بأرض السواد من الأزمنة الغابرة، مروراً بالطائفية البغيضة التي حوّلت أرض أبهى حضارة في وادي الرافدين إلى مقتلة عظيمة، من العنف إلى العنف المضاد وإعلان داعش إمارتها في الموصل ونحرها لمجنّدي الشرطة في مذبحة سبايكر وسبيها للأيزيديات في سنجار، وليس انتهاء بالحروب الكثيرة... من حرب الاستنزاف التي دامت ثماني سنوات مع إيران إلى مغامرات اليانكي في حربَي الخليج الأولى والثانية وغزو العراق ووضع اليد على نفطه وتدمير آثاره وتغذية بذور الشقاق بين أهله ونخبه التي فشلت في بناء مشروع وطني جامع يكون فيه الولاء للوطن أولاً قبل المذهب والديانة والعرقية: «أنا أتابع سجالات العراقيين وجدالاتهم، أخذت أفكّر بواحدة من تبعات الحروب وتركات وتراكمات الطغيان، باختلاف نسخه. وهي السجال والخلاف، بل الصراع على تراتبية المعاناة والضحايا والمفاضلة بينها، والنزوع إلى، أو الرغبة في احتكار المظلومية. وهو جدال عن الماضي والذاكرة وسردياتهما المختلفة بالطبع. ولا يقتصر على العراق، بل نجده في سياقات أخرى في بلدان كثيرة». برصدٍ دقيق لا تفوته التفاصيل اليومية في أتون الجحيم العراقي، يتقن سنان أنطون حبك رواياته من خلال بناء سردي محكم يمتزج فيه مصير الشخصيات وعالمها وتطور الحوادث الدرامية بمصير البلاد، التي تلاحقهم لعناتها حتى في منافيهم لتعيدهم إلى المربّع الأول من الآلام والرعب والخيبة. أنطون الحائز الدكتوراه من «جامعة هارفرد» (2006) الذي ترجمت رواياته إلى أكثر من لغة ومنها الإنكليزية والنرويجية والألمانية والبرتغالية والإيطالية، يواصل في روايته الجديدة «خزامى» (منشورات الجمل/ الشارقة) الحفر في معنى الأوطان في ظل العيش العربي بين مطرقة الطائفية وسندان الاستبداد: «وطن؟ أي وطن وأنت لا تملك شبراً أو شيئاً فيه؟ حتّى جسدك الذي تكوّن في رحم أمّك، لا تملكه أنت. الحكومة هي التي تملك جسدك. وتسمح لك، لفرط كرمها، أن تعيش فيه. وكأي مالك جشع، فهي تفعل بجسدك ما تشاء متى ما شاءت. تلقي به، مع مئات الآلاف من الأجساد في أتون الحرب الخاسرة. تحرمه الطعام وتُجيعه كي تسمن هي وأولادها. إذا اعترضتَ أو خالفت سننها الجائرة، سيعضّك كلب من كلابها المسعورة ويقتطع عضواً من أعضائك. وستترك الحكومة دمغتها وشماً على جبينك إذا تجرّأت وخالفت قوانينها الباطلة والعشوائية. هذا إذا حالفك الحظّ ولم تدفنك في الصحراء وتتركك بلا شاهد كي لا يزورك أهلك». عن الرواية الجديدة ومشروعه الروائي وغيرها من قضايا الكتابة، والثقافة كان هذا الحوار مع سنان أنطون في «كلمات»


نبدأ من عنوان الرواية «خزامى»، لماذا اخترت هذا العنوان الرقيق في سرد لا يخلو من القسوة؟
ـــ الخزامى خيط مهمّ في نسيج الرواية السردي والرمزي. فهي تربط الشخصيّتين الرئيسيّتين، عمر وسامي، ببعضهما البعض. كما أنّها تبلور التناقض في مقاربة الشخصيّتين للماضي ولذكرياتهما عن البلد الذي هربا منه في حقبتين مختلفتين. حين ينتقل عمر إلى عمل جديد أفضل من عمله السابق، يتمحور العمل حول مواسم الخزامى والاعتناء بها. تصبح حياته أكثر استقراراً، وتحتل فيها الخزامى، التي يحتفي بجمالها ويطرب لها، موقعاً مهماً. وتصبح رمزاً لمستقبل يشعر أنه بدأ يقترب منه أخيراً بعد سنين من التخبّط. فالخزامى خطوة أخرى بعيداً عن ماضيه المؤلم. أما بالنسبة إلى يوسف، الذي يعاني من الخرف الذي يسلبه ذاكرته، فإن عطر الخزامى هو الخيط، الأخير والوحيد، الذي يربطه بأجمل ما في ماضيه الذي يختفي ويبتعد بسبب الخرف. وهناك المزيد الذي لن أقوله لكي لا أفسد متعة القراءة! أما عن القسوة والسرد، فالعالم الذي نعيش فيه، لا يخلو أبداً من القسوة والعنف، وآثارهما واضحة على أجساد البشر وفي نفسيّاتهم وذاكراتهم وهذا أحد محاور الرواية أيضاً.

أين تقع «خزامى» في مشروعك الروائي، ما هو المشترك بينها وبين «فهرس» و«يا مريم» وغيرها؟ وما الذي أضافته إلى التجربة ككل؟
- «خزامى» تجربة أخرى في تتبّع حيوات ومصائر العراقيين وعلاقتهم بالمكان وطرح تساؤلات عن ذاكرة المكان كما يراها الفرد، بحسب تجربته وخلفيته الطبقية ونفسيّته. عمر وسامي لاجئان في الولايات المتحدة، لكنهما جاءا لأسباب مختلفة وفي مراحل مختلفة. أحدهما هرب من بطش الديكتاتورية التي كان أحد ضحاياها، والآخر هرب من بطش النظام الذي حل محلّ الديكتاتورية.. معظم أحداث «خزامى» تقع في الولايات المتحدة حيث تعيش الشخصيّات. كان هذا قد بدأ في «فهرس»، إذ يعيش نمير في نيويورك. هناك مشتركات بين «خزامى» و«يا مريم» من حيث التناقض في العلاقة بالماضي ومعانيه وآثاره. أمّا عمّا أضافته، فسأترك ذلك للقراء!

استندت في لعبة السرد إلى تشويه فيزيولوجي طال أحد البطلين، وذاكرة معطوبة للبطل الآخر، ما أضفى على الحكاية جاذبيةً كبيرة، هل لك أن تفصل في هذا الأمر؟
ـ المنطلق لديّ دائماً هو الواقع. في التسعينيّات، رأيت شابّاً في محل في مدينة في الولايات المتحدة. وعرفت حالاً أنّه عراقي، لأن أذنه كانت مصلومة. وتأكدت من ذلك بعدها. كان النظام العراقي السابق قد أصدر قانوناً يعاقب الهاربين من الخدمة العسكرية بقطع صوان الأذن. ظلّ وجه ذلك الشاب ومنظره في ذاكرتي. بعدها بعقد، وأنا أتابع سجالات العراقيين وجدالاتهم، أخذت أفكّر بواحدة من تبعات الحروب وتركات وتراكمات الطغيان، باختلاف نسخه. وهي السجال والخلاف، بل الصراع على تراتبية المعاناة والضحايا والمفاضلة بينها، والنزوع إلى، أو الرغبة في احتكار المظلومية. وهو جدال عن الماضي والذاكرة وسردياتهما المختلفة بالطبع. ولا يقتصر على العراق، بل نجده في سياقات أخرى في بلدان كثيرة. لكنّني بالطبع معنيّ بالعراق. وهكذا عادت صورة الشاب لتكون بذرة لشخصية عمر، الهارب من الدكتاتورية التي عاقبته على الهروب من الجيش بقطع أذنه، والذي يصبح لاجئاً في الولايات. لا يتأقلم عمر مع محيطه الجديد، بالرغم من وجوده في مدينة فيها جالية عراقية كبيرة، ويمر بظروف تجعله يفكّر بالابتعاد. وبالصدفة وهو في طريقه إلى ولاية أخرى وعمل جديد بعيداً عن العراقيين والعرب، تخطر له فكرة قطع الصلة بالعراق ليقول إنه من پورتوريكو. يحاول أن يمحو ذاكرته وماضيه، ليبدأ بداية جديدة بلا أعباء، مثلما يفعل بعض اللاجئين والمهاجرين. في المقابل، هناك سامي، الذي كان ضحية العنف والتهجير الذي حدث بعد عام 2003 في العراق والذي يلجأ إلى الولايات المتحدة ويعيش مع عائلة ابنه المستقر في بروكلين. وعلى الرغم من الامتيازات الطبقية التي يتمتع بها سامي، فإنه لا يتأقلم هو الآخر. ويُصاب بالخرف ويحاول، على النقيض من عمر، أن يتشبّث بذاكرته.



اعتمدت أسلوباً سردياً يشبه كثيراً التقديم والترجيع أو الفلاش باك في السينما، مع قصتين تسيران جنباً إلى جنب وتشتبكان في النهاية بـ«ضربة معلّم». هل تكتب ضمن سيناريو مرسوم سلفاً، وأسلوب مقرر مسبقاً؟
- الإطار العام للرواية، وشخصياتها الرئيسية، وبعض الأحداث المفصليّة، تكون واضحة باكراً. والنهاية كذلك. لكن هناك مرونة وهذا ضروري. وهناك الكثير مما «يحدث» أو يقال لم أكن قد خططت له سلفاً أو فكّرت به. وأُفاجأ به أحياناً. وهذه من ملذّات الكتابة، وهي نادرة، أقصد الملذّات، لأن الكتابة عموماً منهكة ولا أستمتع بها، إلا بعد أن أنتهي من كل شيء. قال الروائي الأميركي دوكتور ذات مرة إن كتابة الرواية تشبه قيادة السيارة في الضباب ليلاً وأنت لا ترى إلا ما تظهره أضواء السيارة الأماميّة من الطريق، ولكن بإمكانك أن تكمل الطريق كلّه هكذا. قد يبدو الوصف مبالغة بعض الشيء، لكنه يعجبني لأنه يشير إلى أن مسار الرواية يذهب أحياناً إلى أماكن لم تكن على الخريطة. ويشير أيضاً إلى صعوبات الطريق الطويل قبل الوصول!

تبدو أوطاننا في «خزامى» لعنة تطاردنا حتى لو تبدّلت الجغرافيا واختلف الزمن؟
ذكّرني سؤالك بقصيدة لسعدي يوسف يقول فيها:
«أهو ذنبك أنّك يوماً ولدت بتلك البلاد؟
ثلاثة أرباع قرن
وما زلت تدفع من دمك النّزر تلك الضريبة:
أنك يوماً ولدت بتلك البلاد»
لا يفترض أن يكون الوطن لعنة بالطبع، وهو ليس دائماً كذلك بالضرورة. لكن المهاجر، أو اللاجئ، بالذات الهارب، من مكان ابتلي بنظام استبداديّ وبحروب أهليّة (وغير أهليّة)، وباحتلال عسكري، وبحكم ميليشيات وعصابات، وتعرّض لصنوف العنف، يحمل معه حقيبة هائلة الأبعاد اسمها الذاكرة، وتكون مليئة بالأشجان والجراح والكوابيس. جسد اللاجئ نفسه أرشيف للألم. وهذا ما يجعل عمر يتساءل عن معنى الوطن. أنظمة الحكم بممارساتها وعنفها الوحشي تنزع عن الوطن صفاته الإيجابية وتجعله جحيماً. هذه تجربة الملايين.

تقول في أحد فصول الرواية: «المفردات والمصطلحات هي كمادات، توضع على الصمت، بعده أو قبله بقليل، لكي تخفي الجرح، وتطمس القبح». هل نكتب لنشفى من جروحنا؟
-تعرّض عمر، إحدى الشخصيّتين الرئيسيتين في الرواية، إلى تشويه بشع، جرحه نفسياً أيضاً وترك آثاره على شخصيّته وتعامله مع جسده. يشير المقطع إلى المفردات التي تستخدم في كل اللغات لتخفيف البشاعة والقبح ولإخفائهما، كأنّها أقنعة. لكن كل ذلك قد لا يغيّر شيئاً بالنسبة إلى من يحمل الجرح وآثاره. وقد تصبح الأقنعة اللغوية عبئاً يرغب المرء في تمزيقه لمواجهة الحقيقة كما هي. لا أعرف إذا كانت الكتابة تشفي الجروح. هناك نصوص تشير إلى الجروح التي قد نكون نسيناها، أو أخفيناها، أو تظاهرنا أو ظننّا بأنها شفيت. لعلّ القراءة هي التي تضمّد الجراح. هناك اقتباس في بداية الرواية من دوريان لاكس عن أننا «نكتب من داخل الجرح وأن الجرح يغنّي ونحن نغنّي لأولئك الذين جرحوا.»

لماذا برأيك لا ينجح اندماج الكثير من المهاجرين مثل عمر في الغرب، هل الأمر يتعلّق بندوبهم الذاتية، أم أن الغرب لا يتقبلهم إلا بعد مسح تاريخهم بشكل كامل؟
ــــ أظهرت السنين الأخيرة بوضوح أن خطاب «الاندماج» إشكاليّ وأن السياسات المتّبعة في الكثير من البلدان فاشلة ومبنية أساساً على افتراضات وممارسات عنصرية، تدفع في كثير من الأحيان إلى التقوقع والتهميش، وتؤدي إلى ترسيخ الانفصال. إذا كان هناك تقبّل للآخر نظريّاً في كثير من الأحوال، فإنّ ما حدث في السنين الأخيرة من صعود الفاشيّة والنازيّة الجديدة والمجاهرة بالعنصريّة والعنف ضد المهاجرين يشير إلى أزمة كبرى وجوهرية في الديمقراطيات الليبرالية. لا أريد أن أستفيض هنا لأن المجال لا يتّسع لهذا الموضوع المعقد.

لا يمل القارئ في روايات سنان أنطون، ورغم القسوة والمرارة يخرج هذا القارئ بمتعة كبيرة عند إنهاء كل رواية، هل هناك من وصفة للرواية الناجحة، أو من نصيحة لروائيين شباب يكتبون روايتهم الأولى مثلاً؟
ـــ تعجبني واحدة من مقولات فيليب روث حين سئل عن كتابة الروايات. قال هناك قوانين واضحة ومفصّلة لكتابة الرواية، لكن لا أحد يعرف ما هي! أتذكّر هذه المقولة دائماً حين أقرأ التنظيرات. نحن بالتأكيد نعيش في زمن الوصفات، والوصفات السريعة لكل شيء. الروايات الناجحة ليست بالضرورة الأفضل أو الأجمل. نصيحتي الوحيدة هي القراءة والتمهّل وعدم الاستسهال.

ما هي مشاريعك الروائية والشعرية المستقبلية؟ هل من إصدار شعري، خصوصاً أنك أصدرتَ سابقاً ديوان شعر بعنوان «موشور مبلل بالحروب» (دار ميريت ــ القاهرة ــ 2004)، وآخر عن «منشورات الجمل» بعنوان «ليل واحد في كل المدن» (2010)؟
-هناك ديوان شعر جديد أرجو أن يصدر في الخريف. وأجمع حالياً كل المقالات التي كتبتها في العقدين الأخيرين لتصدر في كتاب. وهناك مشروع رواية. لم أبدأ بكتابتها بعد، لكن تفاصيلها تتضح وآمل أن أبدأ بكتابتها في الخريف.
---
مقطع من «خزامى»
سمع صوت الباب يُفتح ويصفق بقوة ووقع أقدام. سمع زفرة طويلة وصوتاً يقول: «يخلّون الواحد يكفر بكل شي». شعر بيد على كتفه الأيمن وقال الصوت المتهدّج: «سامحني ابني. مو بيدي». ماذا سيقول له؟ ماذا يمكن أن يقول له؟ قبل أن يعثر على ما يمكن أن يقوله، رفع العصابة عن عينيه. ونظر إليه وكرّر:«سامحني ابني»، ثمّ أعاد العصابة. وقال له:«رح أنطيك مخدّر وما رح تحسّ بشي». شعَر بيديه تفكّان وثاقه. هل يهرب؟ لكن إلى أين؟ فهم يحاصرون المكان وأحدهم يقف عند باب الغرفة. سيضاعفون عقوبته. شعر بالطبيب يرفع كمّه الأيمن برفق وشعَر بأصابعه تبحث عن الوريد في ذراعه. ثمّ أحسّ بوخز الإبرة. آخر ما يتذكّره هو عطر الرجُل القويّ.
جسد اللاجئ نفسه أرشيف للألم. أنظمة الحكم بممارساتها وعنفها الوحشي تنزع عن الوطن صفاته الإيجابية وتجعله جحيماً (س. أ)


حين أفاق من المخدّر بعد ساعات، كان ممدّداً على سرير وبلا وثاق. وشعَر بألم شديد في الجانب الأيمن من رأسه. كانوا قد غطّوا أذنه، أو ما تبقّى منها، وشدّوا موضع العملية. مدّ يده ليتحسّس الموضع فازداد الألم. عيناه ما تزالان معصوبتين. وتناهت إلى أسماعه أصوات الغرفة من شخير وأنين، مصدرهما أجساد الذين نُفّذ بهم العقاب القانوني بحسب قرار 115 الذي صدَر قبل عام: «إزالة صيوان الأذُن ووشم الجبهة لكلّ من تخلّف أو هرَب من الخدمة العسكرية.» أزاح العصابة عن عينيه قليلاً فرأى رجالاً مستلقين على أسرّة، عيونهم معصوبة ورؤوسهم مشدودة مثله. بالإضافة إلى الألم والضغط اللذين كانا يخنقان رأسه، كانت تلك الساعات التي قضاها في تلك الغرفة عذاباً نفسياً يضاهي بعض فصول العذاب الذي سيعانيه في السنتين اللتين سيمضيهما في السجن الذي نقلوه إليه فيما بعد. كان من الذين أفاقوا مبكّراً من تأثير المخدّر لأنه كان من أوائل الذين صُلمَت أذنهم. وهكذا كان عليه أن يسمع صوت الألم حين يستفيق في كلّ جسد إذ يصحو صاحبه، ليقول له: أنا في جسدك الآن. ولن أرحل. سأتنقّل وأتجوّل وأستقرّ في ذهنك. وكلّما استفاق أحدهم ازداد طنين الألم. فجأة وجد نفسه يصرخ بصوت عال وأخَذَ جسده يرتجف، بدون توقّف. قام أحد الجنود الذي كان جالساً في الزاوية والذي لم يره هو بالطبع من كرسيّه واقترب منه. «هاي شبيك؟ كافي» لكنّه ظلّ يصرخ. هزّه الجندي ليوقظه ظانّاً أنه ما زال نائماً. لكنّه كان في كابوس اليقظة مستمرّاً بالصراخ وحاول أن يزيل العصابة عن عينيه ويقوم عن السرير. أمسك به الجنديّ وأعاده إلى السرير بعنف. ووضع يده على فمه ليسكته. وهتف يطلب المساعدة. زرقوه بإبرة ألجمت الصراخ وحبسته في سجن الجسد.