لا تشبه رحلة لينا مرواني (1970) إلى فلسطين ما كابده المنفيون الآخرون، كحال إدوارد سعيد مثلاً. فقد ولدت في تشيلي من أب فلسطيني وأم إيطالية، وتالياً لم تختبر معنى العودة إلى الأرض الأم، لكنها ستستعيد جذورها الأولى في مدينة بيت جالا مع أقرباء بالكاد تتواصل معهم لغوياً، وهذه أولى خسارات المنفى التي سترمّمها بسرد تاريخ أجدادها الذين هاجروا إلى تشيلي هرباً من التعسف العثماني (1915)، وبناء قصتها الشخصية، بدءاً من العنصرية التي واجهها أسلافها في تشيلي، والمشقّة التي عاشها هؤلاء كباعة متجولين، وصولاً إلى الحقبة السوداء في ظل حكم الديكتاتور بينوشيه. هكذا اكتشفت الروائية التشيلية معنى أن تكون مقتلعاً من أرضك الأصلية نحو أرضٍ أخرى بمواطنة من الدرجة الثانية، وبسبب عنصرية من طرازٍ آخر تتعلق بعار اللباس والعوز واللكنة المختلفة. عدا الكتاب الذي حمل اسم «أن تعودي فلسطين»، وثّقت لينا مرواني رحلتها إلى «البلاد» بصرياً، لتكشف عن المعاملة العنصرية للمنفيّين الفلسطينيين في المطارات، وسلسلة صارمة من الاستجوابات والتفتيش، وإذا بها تراكم تدريجاً أهوال العيش في ظل سلطة الاحتلال الإسرائيلي ما منح فلسطينيتها «كثافةً» إضافية، و«ندبة سميكة ترغب أن تتباهى بها» نظراً إلى سحنتها الفلسطينية وشعرها المجعّد، الندبة التي طبعت جلد أسلافها. في الرواية، تمتزج السيرة بالذكريات في شريط طويل مكتنز بالتفاصيل والأمكنة والانطباعات الذاتية، فهي «لا تعود جسديّاً إلى مكان لم تزره أبداً فحسب، بل تعود أيضاً إلى فهم ذاتها بمصطلحات عنصرية لم تجرّبها في تشيلي بالطريقة التي عاشها أسلافها». في زيارتها الثانية إلى فلسطين، أواخر العام المنصرم، ستتكشف الصورة أكثر عن معنى الاقتلاع و المنفى والشتات، وضرورة أن تتكلّم عمّا عاشته عن كثب، وكانت حصيلة هذه المشاهدات كتابة نصّين، هما «أن نصبح آخرين»، و«الوجوه في وجهي» كجزء من كتاب بعنوان «فلسطين في أشلاء» سيصدر بالإنكليزية قريباً.
هكذا سلكت قصص لينا مرواني مجرى آخر، فعملت على استرجاع ذكريات عائلتها أو ما تبقى منها في ذاكرة الأب والعمّات، وإعادة صوغها ببناء ذاكرة موازية «أصبحتُ بالتأكيد أكثر اهتماماً بالوضع الحالي، وكان عليّ أن أتخذ موقفاً سياسياً مضاداً للاحتلال. بالنسبة إليّ، كان هذا يعني قراءة تاريخ المكان، والكتابة عن الأسئلة السياسية الراهنة» تقول. كان عليها تشريح كلمة «العودة» وفقاً لما عاشته فعلاً. تشرح هذه الكلمة الملتبسة بقولها: «كانت كلمة «العودة» موجودة هناك، وهكذا، بدلاً من القول إنني أسافر إلى فلسطين أو أزور فلسطين، ظهرت هذه الكلمة الأخرى. أدركت أن هناك نوعاً من الانتداب، أو التفويض العائلي بالعودة، ولو كان ذلك إلى مكان لم أتواجد فيه قبلاً». خارج قوس الهوية، أنجزت لينا مرواني نحو خمس روايات، من عناوينها «رحلات فيروسية»، و«مقبرة قزحية للأرواح»، بالإضافة إلى العمل في خط التماس بين أدب الرحلات والنقد الأدبي والتعليم في جامعة نيويورك لمادة الكتابة الإبداعية. أما الكتابة بالنسبة إليها فهي كما تقول «تمرين حميمي» وتضيف: «أكتب عندما يكون لديّ شيء في ذهني وأحتاج إلى الخروج من نفسي. مشهد، صوت، قصة، سؤال».