تقديم وترجمة: بثينة الزغلاميولد الشاعر الفرنسي بول فانسنسيني عام 1930 في مدينة Bessans (منطقة السافوا) وتوفي عام 1985 في مدينة أرديش. عمل مدرّساً للغتين الفرنسية والإيطالية، وكان من دعاة الاحتفاء بالشعر في فرنسا. أسهم في تنظيم تظاهرات وعروض ومهرجانات شعرية وكان من مؤسسي «بيت الشعر» في أفينيون و«نادي القصيدة»، وعمل على تقريب الشعر من الذائقة العامة للجمهور المتلقي. وبذلك، بسَّط المتطلّبات الشكلية للنص الموزون، ليصل إلى التلاميذ وسائر فئات المجتمع. عُدّ من مهندسي الشعرية الكئيبة والساخرة في آن، التي تخفي تراجيديا الكائن  البشري. وضعه بعض النقاد في مرتبة بوريس فِيان، وريمون كونو. كانت منزلته الأدبية تضاهي تلك التي ميّز بها سجل الأدب الفرنسي جان تارديو الذي كان شغوفاً بِصَفِّ الكلمات في انسجام ذهني ووجداني يتماشى مع ولعه الغريب باللغة وكان يردد من دون كلل: «كيف يمكن كتابة شيء ذي معنى؟». اكتشف بول فانسنسيني الشعر عبر قصائد آلان بورن صاحب ديوان «قبلة الكلمات: قصائد غير منشورة»، وامتدت صداقتهما سنوات مديدة حتى رحيل بورن، وقد تولى فانسنسيني جمع أعمال هذا الأخير وأعاد طباعتها وفاءً منه لـ «أستاذه في فنّ الشعر». ترك فانسنسيني دواوين شعرية ونصاً نثرياً ومسرحيتين: «لعبة الكركيت الصغيرة»، و«سلال للصم»، و«الساق التي تغني»، و«العشب الأسود»، و«أرشيفيّ الريح»، و«دائماً وأبداً»، و«أزرق وظلّ». امتاز بنصوصه القصيرة، وكان يكتب محتذياً بكتّاب اللغة الكورسيكية، كما لا يخلو شعره من تمازج بين الأسى والحنين والصور الشعرية الخاطفة، كأنما يستخرج نصوصه من قفاز مليء بعبارات تتلبسها روح الشعر الشيطانية. وبين المنطوق والخيال كان يؤسس لسذاجة وبساطة ماكرتين تحملان تصوراً جمالياً لفن الكتابة، شبيهاً بمن يحرك بهدوء عاصفة من الومضات الخاطفة التي تترك أثرها مثل لمع برق عابر في طريق من يقرأها.



1. الظل أزرق
هذه الطريق الزرقاء
في الظلال
كانت جميلة جداً
حتى أنني احتفظت بك
منها للذكرى.

2. الرقة
يبقى أن نعرف
أيهما أكثر رقة
أيهما لن يأكل الآخر.

3. ريح
الريح وحدها تصنع
ما هي عليه
وما تشاء
الريح التي تاجرت في المزاد
بالعشب الأخضر
والحجارة المحترقة.

4. أحبها ومع ذلك تؤلمني
حين أكون ميتاً
أظنني سأظل أتذكر
حساء القنَّبيط.

5. نصر
كأن نحو اللاشيء
قد مددت يدي
منذ عشرين عاماً
لكنه الآن يأتي
ويمسك بيدي ضاحكاً.

6. أنا دوماً أخاف الريح
ها أنا جيوبي محشوة بالحصى
لأبقى معك
ولا أطير في الشجر.

7. السماء كاملة
الطائر وحده
له كل السماء
ليتمدد في الاتجاهات جميعاً.

8. سِلَالٌ لِلصُّم
لم أعاود رؤية الطفل الصامت أبداً
ذلك الذي يغسل عينيه ليلاً في الأنهار
لم أره مرة أخرى وصديقته الحجارة
لم تقل لي شيئاً بنبرة خافتة
إنه قريب من البحر
لقد اقتلع عينيه
وهو يخرج ليلاً في الفسحات
وينسج من جفونه للصم سلالاً.

9. كلمة-جزيرة
كلمة سقطت في البحر
لم تحدث ضجيجاً
لكنني أعرف أنها تكبر
وهي تنمو في ليلي
وأنني سأمضي يوماً إلى جزيرتي
متخفياً وحيداً
دون أخذ القارب.

10. من العشب الأسود..
من العشب الأسود
قطفت الأزهار لعبور البحر
لكنني نمت قرب البركة
بين الخيل
وكان الحب يسجن باقة عشبي السوداء
وأنا الآن مستلق على الرمال
ولن أرحل
فأنا أعمى صغير
ولي غروب شمس بأكمله
فوق رجليّ.

11. سلال للصم 2
أرى امرأة الرماد
تهبط الدرج القديم
شفتها ممزقة
وأحلامها بلون باقة أزهارها الذابلة
الرجل القوي
يتسلق السلم وهو يغني بذاءات
ولا يرى امرأة الرماد.
الدرج والرجل القوي وامرأة الرماد
في المنزل الذي لم أغادره قط.
ليلة صغيرة

12. عندما يحل الظلام..
عندما يحل الظلام
يأخذ الليل نفسه بين ذراعيه
وينام على كتفه
مثل ليلك.
محصول
في حقل قمح
يتقدم شعر
يشبهه
التي تحمله
عيونها فقط على العصافير
وأنا
لا أرى سواها.