عُثر على قرص نيبرا Nebra Disk الألماني عام 1999 من قبل لصوص الآثار في منطقة ميتلبرغ Mittelberg قرب «نيبرا». وهو قرص برونزي أنزلت فيه دوائر وأشكال ذهبية. ويوقَّت بفترة تقع في حدود 1700 ق. م انطلاقاً من توقيت الأدوات الحربية التي عُثر عليها معه. لكن هناك من يقول إن القرص لا ينتمي لفترة الأدوات الحربية التي عثر عليه بينها. بالتالي، فهو من العصر الحديدي لا من العصر البرونزي. غير أن هناك فرضيات حديثة تقول إنه أقدم من التوقيت الذي أعطي ذلك بألف سنة. لهذا، يمكن القول إن ملفّ تزمينه غير محسوم.
قرص نيبرا في مرحلته النهائية عندما دفن تحت الأرض


وقد استثار القرص، منذ العثور عليه، حركة كبرى من التفسيرات. لكنّ معضلتنا أنه جرت، وبحسب المختصين، تغييرات متتالية على وضعه الأصلي. فقد طمست بعض النقاط- الدوائر الذهبية، وحدث تحريك لبعضها الآخر قليلاً من مكانه. كما أضيف القوسان على الجانبين في لحظة محددة (هناك قوس لم يعد موجوداً إلى يسارنا). ثم أضيف القوس الثالث المختلف في الأسفل الذي دعي باسم «زورق الشمس» تشبيهاً له بزورق الشمس المصري.
فوق هذا، ففي لحظة معينة أضيفت ثقوب على محيط القرص. وقد حصل تلف في نقطة ما على المحيط، ولم يعد ممكناً تقدير إن كانت الثقوب 40 أو 39 ثقباً، وهذا ما يشوش أي عملية حسابية.

المراحل التي مر بها القرص


بناء عليه، فليس هناك من طريقة سهلة للتعامل مع هذا القرص. فمع أي مرحلة نتعامل؟ مع الأولى، أم الثانية، أم الثالثة، أم الرابعة؟
من جهتي، سوف أتعامل مع المرحلة الأولى للقرص، المرحلة الأقدم، فهي التي تعكس المعنى الأصلي للقرص الذي أعتقد أنه يمثل روزنامة. هذا لا يعني أن المراحل الأخرى ليست مهمة. بل هي مهمة جداً في الحقيقة. إذ عبر مقارنتها بالمرحلة الأولى، يمكن لنا أن نكتشف التطورات المتتالية على الروزنامة في مساحة زمنية لا بأس بطولها. بالتالي، من الممكن افتراض أن القرص يمثل مرحلة توقيتية انتقالية متدرجة. لكن دراسة التغيرات التي تعرّض لها تقتضي أولاً فهم مرحلته الأولى. فهي القاعدة التي انطلقت منها التعديلات والتغيرات.
وقد غرق الباحثون في فرضيات لتفسير الشكلين المركزيين في القرص: الدائرة والهلال. فهناك من رأى أنهما يمثلان الشمس والقمر، وهناك من افترض أنهما يمثلان البدر والهلال. وهناك من افترض أنهما يمثلان خسوفاً محدداً، أي أنهما يعرضان القمر قبل الخسوف وبعده. بل إن هناك من افترض أنه كسوف وليس خسوفاً. أي إننا مع الشمس في كسوفها وقبل كسوفها. أما الدائرة التي تتكون من سبع دوائر ذهبية صغيرة، فالغالبية الساحقة تعتقد أنها تمثل نجوم الثريا السبعة. مع أن تموضع نقاطها ليس تموضع الثريا على الإطلاق. فنجوم الثريا لا تبني نفسها كدائرة.
أما أنا فأعتقد أن كل هذا كلام ينطلق من مشابهات سطحية. وفكرتي أن المرحلة الأولى الأقدم تعرض لنا ثلاثة أشكال في مركز القرص: الدائرة، الشكل الهلالي، ثم الدائرة المشكلة من ستة ثقوب ذهبية بداخلها ثقب سابع، كما يتضح في الصورة أدناه.



وهذه الثلاثية تمثل ثلاثية نجمية كنت قد تحدثت عنها مطولاً في كتابي: «سنة الحية: روزنامات العصور الحجرية». وهذه الثلاثية رمز تواقيت العصور الحجرية وصولاً حتى العصر البرونزي. وهي فوق ذلك ذات طابع ديني. فالنجوم الذي تحدد الزمن نجوم- آلهة في الحقيقة. والِكال الثلاث في قرص نيبرا تتوافق مع ترتيب النجوم الثلاث التي تتكون دوماً من: كبير، متوسط الحجم، وصغير. وفي القرص، فإن الدائرة هي العنصر الأكبر، والشكل الهلالي هو العنصر الوسط، أما الثقوب السبعة فهي العنصر الأصغر. ووجود هذه التشكيلة بهذا الشكل، يشير إلى أننا مع روزنامة.
أما الروزنامة فمكونة من 32 دائرة ذهبية. وهذا الرقم مضاعفة للرقم 8 بمقدار 4 مرات. والرقم 8 هو رقم أشهر سنة الحيّة القصيرة المكونة من 324 يوماً. في كل شهر منها 40.5 يوم.
لكن سبعة (6+1) أرقام من الرقم 32 عزلت وحدها آخذة شكلاً دائرياً. واعتقادي أن النقاط الست تمثل فترة البيات الصافية في السنة التي نتحدث عنها. فهي سنة مبنية على حركة الماء السفلي الكوني، الذي يملك، مثل الحية، فترة بيات مكون من 243 يوماً (6 أشهر)، وفترة نشاط، أو خروج من البيات، تساوي 81 يوماً (شهران). بالتالي، فالنقاط الست تمثل فترة البيات المكونة من 243 يوماً. ومع النقطة الذهبية الداخلية نكون مع سبع نقاط. وهذا الرقم يمثل فترة البيات مضافاً إليها الشهر التاسع المشترك بين فترتي البيات والنشاط، الذي بإضافته نحصل على السنة التامة (364.5) يوم. عليه، فالنقاط السبع تساوي: 7×40.5= .283.5
هذا هو جوهر القرص في مرحلته الأولى.
ويبدو لي أن من تعامل مع القرص في مرحلته الثالثة والرابعة، نسي أن دائرة النقاط الذهبية تشكل العنصر الثالث الصغير. لذا فقد أضاف الشكل الهلالي النحيل الذي يشبه زورق الشمس المصري. وهكذا صرنا مع ثلاثية أخرى غير الثلاثية الأصلية. وفي المرحلة الرابعة، جرى حفر 40 ثقباً صغيراً على محيط القرص لكي تمثل عدد أيام الشهر (40) مع استبعاد الكسر (40.5). هناك طبعاً من يقول إنها 39 ثقباً. لكن فرضيتي تقول إنّها 40 ثقباً. بالتالي، فقد جرى تفصيل أرقام الأشهر الثمانية التي تحدثنا عنها.
بناء عليه، يتبقى القوسان المضافان في المرحلة الثالثة على اليمين واليسار. ولست أملك تفسيراً لهما. لكنني أستبعد أن تكون لهما أي علاقة بالشمس. فروزنامة القرص ليست روزنامة شمسية إطلاقاً، بل مائية من طراز الروزنامات التي عرضت لها في كتابي المذكور أعلاه.
أما الثلاثية التي نتحدث عنها في القرص، فلها شبه في التقليد البابلي. فلدينا نحت على حجر حدود بابلي، من عهد الملك ميلشباك، وموجود في متحف اللوفر، ثلاثة أشكال تبدو كما لو أنها تمثل الثلاثية ذاتها.

التشكيل الثلاثي في القرص وفي حجر الحدود البابلي


فكما نرى في الصورة أعلاه، هناك دائرة وهلال ونجمة. الدائرة والهلال يشبهان الدائرة والهلال في قرص نيبرا. أما النجمة الثمانية فشبيهة بدائرة الثقوب الذهبية في القرص.

التشكيل الثلاثي في القرص وفي حجر الحدود البابلي


وهذا التشابه ليس مصادفاً. فجوهر التوقيت في القرص والحجر واحد. وهو يعود في أوّله إلى العصر الحجري القديم الأعلى، أي إلى 45 سنة تقريباً.

* شاعر وباحث فلسطيني