في الأول من شباط (فبراير) 2020، أطلقت «دار النهضة العربية» مشروع «أصوات» لدعم إصدار الشّعر ونشر نتاج الشّعراء العرب، بمجموعات إلكترونية وورقية، يتولى إدارتها الشّاعر اللبناني محمود وهبة. ضمت حصيلة السلسلة عشرين مجموعة لأصوات شابة من الوطن العربي، بل امتدَّت رقعة الخريطة لتشمل تخوم العالم العربي، حيث تتواجد ساكنة آهلة ناطقة بالعربيَّة، وهذه المرَّة من تْشَادْ. مشروع «أصوات» حاصل على منحة للكتابة الإبداعيّة من «الصندوق العربي للثقافة والفنون - آفاق»، «دعماً للشعر ولمكانته في خريطة الأدب العربي المعاصر، وهي مخصصة أساساً لطباعة وتوزيع كتب هذه الأصوات الشعريّة الشابة وإيصالها لشريحة أكبر وجمهور أكبر من القرّاء». في تواصل لنا مع الشاعر محمود وهبة، أكَّد لنا أنَّ جزءاً من منحة «آفاق» تمَّ رصده لتحويل المجموعات الشّعرية إلى كتب صوتية ستُطرح عبر المنصات المخصصة لذلك. سيجري إطلاق المشروع في بيروت في منتصف شهر تشرين الثاني (نوفمبر) ضمن احتفال توقيع جماعي تحتضنه مكتبة «برزخ» في شارع الحمرا، تحضره الأصوات الشعريّة المشاركة في السلسلة والمقيمة على الأراضي اللبنانيّة، تشاركها باقي الأصوات من خارج لبنان عبر منصة «زوم»، ويُنظَّم الاحتفال بالاشتراك بين «دار النهضة العربية» و«الصندوق العربي للثقافة والفنون – آفاق». الملف هنا يشكِّلُ قصيدةً مقتطفة من كل ديوان من بين الدواوين العشرين، استخلصنا من قراءتها النقط التَّالية، على مستوى الموضوعات والأسلوب والنوع الشعري: توحِّد بين كل الدواوين نبرةٌ خافتةٌ، لا تفسدها لا الخطابة الرَّنَّانة ولا الغنائيَّة الجانحة للغرق في الأنا والعوالم الجوانيَّة للذات؛ ممَّا لا يعني أبداً أنَّ لا قضيَّة لهذه الأشعار. على العكس تماماً، فهي تتناول قضايا وجوديَّة وميتافيزيقية وسياسيَّة كبرى (كالحياة والموت والحروب وتجنيد السلفيَّة الجهاديَّة للإرهابيين في تونس والعراق وصيرورة العمليَّة الإبداعيَّة) بلغة شبه محايدة، شبه باردة في التقاطها لتفصيلة أو مشهد يسري على الكون كلِّه. تجنيساً، جرَّبت الدواوين كل الأشكال الشعريَّة الحديثة، من قصيدة النثر (بمعناها الغربي كفقرات نثريَّة ممتدَّة) إلى القصيدة الحرَّة، فَالمقطعيَّة فالشذرات المنفصلة عن بعضها شكلاً والمتلائمة في ثيمة معيَّنة مضموناً. لم تخلُ القصائد من محاورة الأسلاف الشعريِّين (السَّيَّاب) والحركات الطليعيَّة الأوروبيَّة لبداية القرن العشرين (بعض توليفات الصور هنا تراوح بين الدادائيَّة والسريالية في الجمع النَّصِّي بين المتباعدات في العالم الواقعي)، كما أنَّ بعضها يستلهم روح المسرح في مشهديَّتها وتكثيفها للحوار إلى أقصى حدٍّ دراميِّ؛ أسوةً بروح الفنون التشكيليَّة الحاضرة في أحد النصوص محاولةً صوغ القصيدة في شكل طبيعة ميِّتة تبني فيها الكلمات لوحةً متكاملة الأركان. تنويه خاص بقصيدة لين نجم، التي تبدو في بساطتها الماكرة توليفاً لمقولات مجتزَأة من الخطاب الديني، لكنها كانت حاذقة في وضع اليد على جوهر العملية الإبداعيَّة، باستلهام قصة بلقيس وسليمان، وتحديداً حدث توهُّمها أنها تمشي فوق ماء، بينما هو زجاج: «فلمّا رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها». أو ليس الشعر غير وهمٍ حِسِّيٍّ أصدق من الواقع؟ علماً أنّ ترتيب النصوص اعتباطي، لا يدلُّ على مفاضَلة أو تقييم
صادق كويش الفراجي ــــ «سيرة رأس» (وسائط مختلفة ـــ طباعة لامبدا ــــ 2014)


1. أحمد الأمين: الصّمتُ أحلى، يقولُ المستوحِدون
لا أعرفُ كيفَ يقولُ النّاس ما بهم. كيفَ يجدونَ مفردات على قياسهم. تعوّدتُ على السّكوت حتّى كادَ فمي يختفي. أمّيُ تقولُ إنّني لمْ أنطِق كلمةً حتّى بلغْتُ الرّابعة، وبعدها، تكلّمت دفعةً واحدة.
لا أعرفُ كيفَ أفسّرُ لكلّ هؤلاء، أنّني غيرُ راغبٍ في قول شيء. ليس لديَّ أقوال أخرى. كيف أشرح ذلك بلا عناء. الصمتُ أحلى يقولُ المستوحدونَ. الصّمتُ أحلى، يقولُ الراحلونَ بلا كلمات أخيرة.
لا أريدُ أنْ أحكي. يدكِ الّتي تشدّين بها على أصابعي إذ نتصافح، لا تحتاجُ إلى الشرح. هكذا أفهم أكثر. أعرفُ كلَّ ما تريدينَ قولهُ في الثّواني القليلة الّتي تتشابكُ فيها أيدينا.
يدُكِ الضئيلةُ حديثٌ طويلْ.
[ديوان: المرآةُ جدارٌ آخر، لبنان.]

2. أحمد السيّد: سوى لونها
تلك الزهرة البيضاء
التي وضعتها ليَ الحياة
في عروة بزّتي
زهرة لواقع
يسِمُ أيامي
بخلل دماغي
زهرة حروب مضت
وأخرى قادمة
زهرة
لا تمتلك من البياض
سوى لونها.
[ديوان: كآبة سميكة خارج السّرير، لبنان.]

3. آدم إبراهيم: أحجية
في بلادٍ بعيدة
لا أحد ينتظر مجيء الموت
كلٌّ يقرر مصيره
كلٌّ يحضِّر نعشه
ويحتضر له بتأنّ
حد إصابة الحياة بالملل.
■ ■ ■
في البلاد البعيدة
ليس للآلهة سُلطان
الموت والحياة
تجربتان قصيرتان
في الأمد اللانهائي.
بين الوجود والعدم.
[ديوان: ممرّاتُ العُزلة، السودان.]

4. أوس حسن: عدمٌ... وصيرورة
النجمُ غائبٌ في مزاميرِ الرعاةِ
نائمٌ إلى الأبد
دخانٌ... وسماءٌ عاصفةٌ
الذئبُ يعوي عند رأسِ الجبل
والسيلُ ينحتُ وجهاً في الصخور
نارٌ في الأعالي..
وصرخةٌ من أعماق الكهوف
■ ■ ■
أنا الكائنُ في العدمِ
سأنامُ
لتكتملَ الأشياءُ..
■ ■ ■
سأنامُ لأخلقَ العالَمَ..
وأرقصَ على أنقاضِ الخرابِ.
[ديوان: كتابُ الأخطاء، العراق.]

5. باسل الأمين: تتمّة
اعثر على حذائك
وانتعلهُ على مهل
ثمة ممشى
وثمّة غرباء
وثمّة أعوام وأزمنة تسير أمامك
لا تودّع ولا ترحّب من بعيد
السيّارات التي وصلت قبلك إلى المدينة
خرجت قبلك من المدينة
وفرغت باكرا من البنزين
سر كأنّك تريد أن ترى
وصِل كأنّك الآن قفزت من السرير.
[ديوان: ظلٌّ يظنُّ نفسهُ شخصاً، لبنان.]

6. حسام معروف: الحلاق الوفيّ لزبائنه الموتى
العالم صغير جدّاً،
بدليل
أن الحزن يحتوي عليه، بِضم ذراعيه حوله.
■ ■ ■
الحلّاق الوفي لزبائنه الموتى يقصّ العشب الزائد على قبورهم.
■ ■ ■
ليس كرهاً في الضوء، أغمض عينيّ،
إنما أشتاق لذهني.
■ ■ ■
أكون أعمى،
تقطِّرين في عينيّ ضحكتكِ،
فأشفى.
■ ■ ■
لدي كل المفاتيح،
لكن،
لا ثقب في باب الغيب!
■ ■ ■
إلى أي الجهات تنظر الشّجرة؟
■ ■ ■
لو أنّني لم آتِ إلى هذا العالم، لوصفته بشكلٍ أجمل.
■ ■ ■
وأمشي داخلي؛
كي لا أزعج التراب.
■ ■ ■
نتحدث عن الميت،
يا الله!
كيف نتشارك حبلاً واحداً من الحسرة في المكان؟
■ ■ ■
النّبتة الّتي تسللت إلى خارجِ الصّخرة،
ما هي إلّا
زفير ميت،
يستعجل انتهاء العالم.
[ديوان: الحلاق الوفيّ لزبائنه الموتى، فلسطين.]

7. حمزة باشر: بينما جموع من الرجال تُحدّ
المرأة التي التقمها البحر
لم يدغدغ خطواتها الطافحة
لمجرد أن لسعتها الشمس،
وتدفق منها الشلال
■ ■ ■
ذلك،
لأنها كانت وفية للماء
تناولتها النظرات بمكر قاتل
■ ■ ■
مع أنها لم تأبه
أن يشاء البحر
الشيء الذي
تأباه تلك الوجوه النهمة
■ ■ ■
كلّما زاولَ النهارُ دورته،
هناك
حيث البحر،
تزاول فتاة ما
وفاءها لذاك الذي لا يفكر بالتآمر..
■ ■ ■
بينما جموع من الرجال تحدِّقُ
كثيرون هم من ينتقمون
لأن جسداً أهدى وفاءه للماء
بيد أنها تؤذي
تلك النظرات
التي تتدفق كالشرر
لم تتعلم سيولة البحر الصامت
في إعراب الجمال.
[ديوان: ترانيمُ الكادحِ تحتَ سماءِ أنجمينا، تشاد.]

8. حنين الصايغ: هكذا
بتقوّس ظهر تمثال مبتور الأطراف
يستلقي لأعوام
فوق أرضِ متحف
■ ■ ■
هكذا
باستسلام غصنٍ طريّ
لثقل بياض الثلج
وهبوطه الخاشع ليُقبِّل الأرض.
■ ■ ■
هكذا
بإصرار نبتة ملتوية
على النمو
فقط
لأنها وُجِدتْ لأجلِ ذلك.
■ ■ ■
هكذا
بسكونِ لوحةٍ غادرها رسّامها
فوقفت دليلاً هزيلاً على وفرةِ جماله.
■ ■ ■
أشتاقُكَ
وكلُّ ما بي يعرفُ
أنك جوهرهُ.
[ديوان: مَناراتٌ لِتضليلِ الوَقت، لبنان.]

9. صفاء سالم إسكندر: الوردة تموت مثل السياب
هكذا بكيت
أعني ضحكت
عندما اكتشفت صدفة
أن هنالك تبادلاً للأدوار في الحظ عندما نصل إلى العالم الآخر
خبر مثل هذا جعلني أفكر، أن الوردة تموت مثل السياب
لم تكن مبالغة كبيرة أو طيناً زائداً يُحشر في المواعيد الغرامية
أو إشارة لسد النقص كما تصورنا
فيا لعينيك الـ«غابتا نخيل»
لكن أين وقت السحر؟
شيء من الصمت لضجيج الحياة الهائل.
[ديوان: أغنيات لليوم التالي، العراق.]

10. عامر الطيّب: فاصلة شعرية
أعرفُ الألمَ الّذي أعيشهُ الآن
ألمُ الخناجرِ والمقابض
والألحان التي تؤلَّفُ
من أجلِ أنْ تنامَ النّاقة المجروحةُ فوراً.
ألمُ عشيرتي وأهلي
وأصدقائي الميتين برّاً وبحراً
ألمُ الغرباءِ الّذين يتردّدون في وصفِ ألمهم
أقولُ لهم هلْ هذا هو الألمُ
مُشيراً ليدي؟
فيقولونَ نعم بخجلٍ ووقارٍ مكشوف.
ألمُ شجرةٍ عظيمة
تمّ تحويلها إلى بابٍ كبيرْ
يدخلُ الأحبّة ويرحلونَ
وهو مفتوحٌ كجرحٍ في ذراعٍ بهيمة
أعرفُ كيفَ ينظرُ
البابُ لمصيره السيّئ
ثمَّ يعلمُ أنَّ العتبة
ليستْ خشباً!
[ديوان: سماءٌ بعيدةٌ كقبرٍ مفتوح، العراق.]

11. عثمان الدردابي: ثقب
هأنذا أطل من ثقب في النافذة
كقنّاص بطلقة أخيرة
أسدّد عيني صوب المجهول
وأمعن النظر
كأني أترصد
لا شيء
■ ■ ■
هأنذا بلا بندقية أو رصاصة
أطل من ثقب في نافذة
على الخارج
حيث لا شيء
عادَ موجوداً
■ ■ ■
هأنذا ما أزال
مجرد ثقب في نافذة
أنظر للجهتين
ولا شيء .
[ديوان: ثلاثة وعشرون عاماً في الوحل، المغرب]

12. علي أصلان: أسفٌ
جارتي العجوز: آسف
سأكرّرها وأسكرُ ببابك
سأتركُ أعقاب السجائر
وعلبَ الحزن الفارغة
وأزرع هذه الزجاجة الفارغة
على النافذة
آسف لأني لم أغسل عتبتكِ
هذه الليلة
لقد نسيتُ الصنبور على السواتر
أعدك بطلاء بابكِ القماش
بما تبقّى من حسرات المصابيح العتيقة
وأعوضكِ عن لطافة صغيرك.
صغيركِ الذي أصبح طعاماً للفتاوى.
[ديوان: عرّافٌ في غابة الدّم، العراق.]

13. علي شمس الدين: قصيدة
وهذا ما حصل حين قتلوا
السيدة
ألف
قطعوا رأسها نصفين
سألوها
— السيدة ألف
هل تحبينَ الخوخ
والأغنيات
والفرانسيسكو؟
هل لديكِ أيّ أغنية
تحبين سماعها قبل الشنق؟
— ليس عندي ما أقوله
سوى أنني السيدة ألف
[ديوان: هارمونيكا السفينة نشاز الطوفان، لبنان.]

14. لين نجم: قصيدة لله
في القرآن أعدّ الشّخصيّات
إبراهيم
إلياس
لوط
مريم
واللّيل إذا عسعس
أضع دائرة حول كلمات متقطّعة
قدم
الحبّ
نساؤكم هنّ لباس لكم
واذكروني أذكركم
في القرآن أساعد الله في سرد الأحداث
أجمع الشّخصيات.

الكلمات المتقطعة
القرآن يساوي
«فلمّا رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها“.
[ديوان: في حياةٍ قادمة، لبنان.]

15. محمد رضا: سيرة شجرةٍ وحيدة
تنمو الشجرة وحيدة ومهمومة
لأوراقها نظرة الرجل الذي سيمر سريعاً
وينسى بعد يومين
أن الأشجار تحزن أيضاً
حين يتبدل الطقس
أو حين تكسر العصافير أجنحتها
لأن السماء لا تتسع بكثرة الطيران
■ ■ ■
تنمو الشجرة قريبة من منزل الجدّة
لأن الجدة تعلم دوماً
في أمسياتها الطويلة
أن الجسد يتقلص من قلة اللّمس
وأن الشفاه شِباك كبرى
تخلى عنها الصيادون
لكثرة ما فيها من ماء ثقيل وحموضة تحت اللسان
■ ■ ■
تعلم الجدّة أن ماكينة الخياطة
الفارعة في الخارج
لا تصلح لخياطة ألبومات العائلة
وإعادة لمّ الشمل
■ ■ ■
تعلم الجدّات دوماً أن الأسنان التي سقطت
لن تنبت من جديد
بزرعها تحت الوسائد
أو برميها في الحقل
لأن التربة مالحة
والجنيّات ما زلن صغيرات في السنّ
■ ■ ■
خفيفاً يتساقط الثلج على الرفوف
لا وجهة له
سوى القرى النائمة في يقظتها
وأحلام الأطفال فيها
والمتقاعدين
خفيفاً ينزل على مهل
كي لا تلتقي الغيمة بالشجرة
كي لا تخدع الشجرة نفسها بحلم بريء
■ ■ ■
كي لا تنتظر رجالاً آخرين
سيعبرون يباس أقدامها
بنزهات حانية
وحيدة ومهمومة تنمو الشجرة
في الحقل
تنتظر مرور الصيادين من الضفاف البعيدة
لتخبرهم عن الموت الذي يكبر في أغصانها
عن الموت الذي لا تبصره فوهات البنادق
لأنه أخشن من رصاصاتها
وأنعم من ريشة عصفورة خجلى
ظنّت أن النبع سيمسي نهراً
لأنها شاركته أسرارها
ذات مساء
■ ■ ■
حين بكى على الأقدام التي مرت فوقه
ولم تعبره
لأنها تخاف الابتلالَ بالوحدة
[ديوان: لا ماءَ يكفي الغرقى، لبنان.]

16. محمود وهبة: صنْدوق
على النّافذة
ثلاث حبيبات من المطرْ
تأخذ الذّاكرة شكْل كيس من الجنْفيْص
تتّسع
تزْداد خشونة
توزّع محصولها على الحاوياتْ.

الذّاكرة بئْر
قفص
تمثال
خزّان أسْرار الآلهة.
كرسي اعْتراف
لخطايا متكررّة.
[ديوان: ليسَ حُباً بَل دُعابة، لبنان.]

17. مروى بديدة: جثثٌ غيرُ كاملة
قصدتَ ليبيا بعدَ ثورةِ تونس
عام 2011
تجوّلتَ بحزامٍ ناسف
غيّرتَ اسمكَ ووجهتكَ والتحقتَ بفرقةٍ إرهابيّة
وحينما أردتَ العودة
في ليلةِ صيفٍ رائقة قصَفتكَ قذيفةُ آر.بي.جي
وراحتْ ورودكَ اللّحميّة تتناغمُ مع النّجوم.
سجلوكَ في الأبحاثِ والتّفتيش
على أنّكَ إرهابي
وأعدّوا لكَ مِشنقةً وأدواتِ تعذيبٍ لحينِ وصولكَ
لكنكَ هلكتَ في بنغازي
نجا منكَ عظمُ ذراعكَ اليُمنى
يحلمُ برفقتنا ثانية
أمرٌ نعرفهُ نحنُ فقط.

أنتَ
تعاطيتَ حبوبَ الكآبة
وكسرتَ القيثارة الّتي كنتَ تُمضي وقتكَ معها
قصدتَ الحانة كئيباً
أسرفتَ في كحولٍ رخيصة
ثمّ بابتسامةٍ ملائكيّة ناديتَ بأسمائنا جميعاً
وفي آخرِ دمعةٍ ذرفتها
مُتَّ بعينينِ مفتوحتين.
[ديوان: قمرٌ جديدٌ مِن أجلي، تونس.]

18. ميرنا عيط: قمر يَركُلْ
في آخر الوقت
شمس
معقودة كالسلاسل
تبني حذاء
ليتربّص بكلتا شفتيّ
المتدلّيتين كالشرائط.
■ ■ ■
غريبٌ يقذفُ رماداً
بلون الروح
■ ■ ■
أسرابٌ
تعانقُ أشباحاً من السراويل.
■ ■ ■
هناك كرسيٌّ طوى ملامحه
الزرقاء
وغاب
كما لو أن طفلاً
يركلُ قمراً
فيصرخُ عصفور
ثم يمشي على ركبتيه
كهرم تجاوز السبعين
يمدُّ يداً
ويطبق على فوّهة
في قبضته لسانٌ
من الخوف
وأرقٌ
يكنس به بقايا الماء
من جوفِ ذبابة ميتة
ممتلئ بكرات الياسمين
وطفلٌ
يغمغم في عتمته
كأنه اللهُ ممتنّاً.
[ديوان: جُثَّةٌ تَفْسَخُ الهَواء، لبنان.]

19. ميشيل الرّائي: القمر الورقيّ
القمر الورقي الأصفر
يغطي الثقبَ في أنبوب الموقد
يغرقُ قمرٌ آخرُ بثوبِ ممثل أسود
سعادتي تتعفّن بالنعاس في فانوس شيخوختي.
قمرٌ قديمٌ يستلقي على العربة
معاطفُ طويلة
منفاخ ينشر ساقيه المتيبّستَين
في غابات شيخوختي المجفّفة.
[ديوان: زهورٌ تلوح كالعادة بقصائدَ مضحكة، العراق.]

20. نوّارة خنسا: تلويحات
1. خائنٌ ساعي البريد
نسيَ نافذتَك وراح ينتظرُ العالم
في ظرفٍ آخر!

2. كلُّ خيالاتكَ هنا
لبسَت قمصاني البِيضَ
وطارَت
اليوم
أنا خيطٌ أسود دونك!

3. أنا لا أحبُّكَ
أحبُّ زهرَ اللوز.

4. غيابُك حضورٌ مزخرف
غرفتي ضوءٌ!

5. لم تسقطْ شفتاك سهواً
كان عنقُ الوقت بارداً
يدُ المكان أبرد
سقطْتُ عمداً دون أن أدري!

6. بقلب أبٍ يحتضنني غيابك
لكنني للأسف لستُ معجبةً بهِ!

7. الرسم كان محاولتي الأخيرة
كي أخبركَ بأن نظراتِك
مجرّدُ لوحةٍ خادعة!

8. صورتُك
فيلمٌ قديمٌ!

9. ستّينَ رسالةً كتبْتُ إليكَ
خمسونَ مِنها
صُلبتْ على صدري عقداً يافعاً
والبقيةُ
سأربيها لتكبرَ
بأصابعي العشر!
[ديوان: حزيران، سوريا.]