ولد الشاعر الأميركي رون بادجيت (Ron Padgett) عام 1942 في مدينة أوكلاهوما. بدأ الكتابة في عمر باكر، وفي مراهقته، أصدر مع مجموعة أصدقاء مجلة The White Dove Review التي نشرت قصائد لأشهر شعراء «البيت» آنذاك مثل: الن غينسبرغ، جاك كيرواك وروبرت ريبلي. انتقل بادجيت عام 1960 إلى مدينة نيويورك للدراسة، ثم أمضى بعدها عاماً في باريس يدرس الشعر الفرنسي ويترجمه. يعتبر رون بادجيت امتداداً لمشروع جيل البيت، بل يعتبر الشاعر الأهم من الجيل الثاني. استلهم بادجيت أسلوبه الكتابي من المدرسة السريالية ومن التعبيرية، مع تأثره بموسيقى الجاز وثقافتها. تمتاز قصيدة بادجيت بالتقشف، أي الضالة والصغر في الحجم، والتكثيف في البنية والمعنى. اهتم بادجيت، في كتابته، أن تكون القصيدة وسيلة تنقيب نحو المطلق المختبئ في ثنايا الواقعي الروتيني. وبغية هذا الهدف، همّ بالانطلاق من الواقعي أو «التحتي» عوضاً عن التطلع «الفوقي» أي الميتافيزيقي. ويمكن اعتبار أن المحرّك الأهم لهذا التوجّه الشعري، هي الروح الإنسانية والحساسية التي تحاول التفلّت من سطوة اليوميّ والمشاغل الحياتية، حيث لا يستطيع الفرد الوقوف أمام سرعة العجلة إلا بالشعر. وهذه الأسباب، أي الدواعي الموضوعية لولادة القصيدة، هي نفسها الدواعي التي نستطيع أن نتّكئ عليها لقراءة هذا الشعر وإبراز أهميته. فالنتائج لم تتغيّر كثيراً من زمن كتابة بادجيت - الذي ما زال حيّاً يُرزَق - لقصيدته إلى عصرنا.وإن ألقينا نظرة على رأي معاصريه فيه، نجد الشاعرة والناقدة كارين فولكمان Karen Volkman، تصف قصائد بادجيت بأنها ثرية، مضطربة، ومضحكة في الوقت عينه، تشكل أصواته المتغيرة تنسيقا نادراً، وصاخباً. فولكمان التي كانت ترى أن من أهم وظائف الشعر هي السماح للقرّاء أن يكتشفوا طرقاً مختلفة وأكثر تعقيداً للمشاركة في التجربة الحياتية، بما في ذلك تجربة حياتهم الداخلية، وهو ما رأته بالضبط في قصائد بادجيت، ونحن مدعوّون إلى ذلك أيضاً، في استرداد حيواتنا الداخلية من الاستلاب والاغتراب.
لبادجيت أكثر من 20 مجموعة شعرية. نشر مجموعته الأولى «تشنجات الفاصوليا» Bean Spasms عام 1967، تلتها «مقصورة كبيرة» Big Cabin و«أعمال دموية» Blood Work وغيرها. حصل بادجيت على جوائز عدة من بينها جائزة الشاعر الأميركي وليامز كارلوس ويليامز Poetry society of America، بالإضافة إلى جائزة «مورتون لاندون للترجمة» عام 2016 عن ترجمته «قصائد مختارة»للشاعر الفرنسي غيّوم أبولينيير.
تُرجِمَتْ أعمال رون بادجيت إلى 12 لغة ولم تكن للغة العربية حصّة من هذه الترجمات، وهذهِ عيّنةٌ صغيرة من شعره، عسى أن تجد قصائده كافّة سبيلها إلى دفّتي ترجمة عربية كاملة.


يعتبر رون بادجيت امتداداً لمشروع جيل البيت، بل يعتبر الشاعر الأهم من الجيل الثاني


1. كلمات من الجبهة
نحن لا نبدو فتياناً
مثلما اعتدنا
إلا في الضوء الخافت
خاصّةً في الدفء الأملس للشموع
حينما بكل صدق نقول:
«أنتِ لطيفة للغاية
وحلوتي»
تخيّلي
اثنين من كبار السن
يتصرفان هكذا.
هذا يكفي
ليجعلك سعيداً.
(من مجموعته الشعرية «كيف تكون مثالياً» 2007)

2. الشاعر على أنه طائر أبدي
قبل ثانية
وقعت خفقة من قلبي،
مرّتْ
فأخذت أفكر:
ربما سيكون هذا
وقتاً سيئاً
للإصابة بسكتة قلبية
والموت في منتصف قصيدة،
ثم تنهدت لأنني لم أسمع قبلُ عن أحد مات
في منتصف قصيدة
تماماً كما أنه لا تموت
وسط تحليقها
الطيورُ أبداً
(من مجموعته الشعرية «أنت لا تعلم أبداً».)

3. ما بعد ريقردي
لم أكن أرغب أبداً
في رؤية وجهك الحزين
خديكَ، وشعرك العاصف
مرة أخرى

ذهبتُ في كل أنحاء البلاد
تحت نقار الخشب الرطب هذا
في الليل والنهار
تحت الشمس والمطر

إننا الآن مرة أخرى وجهاً لوجه
ما عسى أن يقول أحد ما في وجهي

ذات مرة استلقيتُ على شجرة
طويلاً جداً حتى
علقتُ عليها،
إن هذا النوع من الحب فظيع.
(من مجموعته الشعرية «قصائد مجمعة»)