حوالى خمسمئة رواية فرنسية ومترجمة تتنافس هذه السنة وتطبع بدايات الموسم الأدبي الذي ينتظره القرّاء والنقاد وراصدو الجوائز ودور النشر الكبيرة والصغيرة، في أكبر تظاهرة أدبية تطبع بداية الخريف في حدث سنوي نقرأ فيه مزاج فرنسا الفكري والثقافي وأبرز القضايا التي تفرض نفسها على سجالات مثقفيها وصالوناتها ومكتباتها وتنتقل هزاتها الارتدادية إلى أكثر من منطقة في العالم، لا سيما الفرنكوفونية منها أو تلك التي لا تزال تعتبر عاصمة النور مختبراً كبيراً للأفكار في الآداب والفنون والسينما: روايات هذه السنة التي اخترنا باقة منها حملت نكهة سياسية بامتياز، من الجرح الجزائري الذي لا يطيب وتناقضات المجتمع الفرنسي الداخلية وسط أزمة اقتصادية خانقة تعصف بالقارة العجوز في خضم الحرب الروسية-الأوكرانية، مروراً بقضايا يشتبك فيها الثقافي مع السياسي كقضايا المثلية الجنسية والعنف ضد النساء، وليس انتهاء بأدب المحرقة الذي ما زال يلاحق الضمير الأوروبي عند كل منعطف. اليسار وقضاياه لم يغب عن روايات هذا العام، سواء عبر موشور المنظمات اليسارية الثورية الأوروبية التي طبعت النصف الثاني من القرن الماضي، كامتداد لحركة تحدي الغرب الإمبريالي في عقر داره، أو عبر روايات مترجمة تتناول التجربة الماوية في الثورة الثقافية وحركة الفارك في كولومبيا. تبدو الرواية الفرنسية هذا العام متلهفة لاصطياد أي قصة سياسية مثل حادثة مترو الأنفاق في طوكيو، أو أي سجل شخصي مرتبط بموسوليني مثلاً للشروع في رحلة ينتقل فيها الروائيون بين التاريخ الشخصي للعائلة أو الجماعة إلى التاريخ الكبير، أو بالاتجاه المعاكس، حين تتخذ الرواية الأحداث الكبرى للنزول إلى الحميمي والشخصي والخاص في حيوات أبطالها. تمد السياسة والتاريخ إذن الموسم الأدبي الفرنسي بحيوية فائقة. قبل أي شيء، يقوم العمل الروائي على فتح بطن التاريخ وصفحاته السياسية والاجتماعية والثقافية لتوسيع الأفق وإعطاء الرؤية على حد قول الشاعر الكبير بول إيلوار. في هذا العرض كوكبة من الروايات التي توقف عندها النقاد في بداية هذا الموسم الأدبي.
فيكتوريان بازو. «قراءة ورق البردي» (أكريليك على كانفاس ـ 130 × 110 سنتم ـ 2022)


«الحياة السرية» La vie clandestine
مونيكا سابولو ـ دار غاليمار

في العمل السابع «الحياة السرية» للروائية الفرنسية مونيكا سابولو (١٩٧١) التي عرفناها في «صيف» (2017) و«عدْن» (2019)، تسير بنا الراوية في خطين متوازيين: خط يأخذنا إلى طفولتها وآخر إلى تحقيق تقوم به الكاتبة حول منظمة يسارية فرنسية راديكالية حملت اسم Action directe: تكتشف الروائية أثناء التحقيق الأقانيم الثلاثة التي طبعت عمل هذه المنظمة التي استلهمت أفكار وبرامج عمل نظيراتها في أوروبا الغربية مثل «الألوية الحمراء» و«بادر ماينهوف»: السرية والصمت والعنف. سرعان ما يتحول التحقيق الذي أرادت منه الراوية الإجابة عن بعض أسئلتها الوجودية، وبطريقة غير متوقعة تماماً، نحو حقيقتها الشخصية: بدءاً من ولادتها المحفوفة بالأسرار، والتي هي ثمرة علاقة غرامية في نهاية الستينيات في إيطاليا، في ميلانو، بين والدتها المراهقة ورجل متزوج تخلى عنها عندما حملت بجنينها، ليتم تبني الفتاة الصغيرة بعد ذلك وهي في الثالثة من عمرها من قبل زوج والدتها، وهو خبير في الفن ما قبل الكولومبي، الذي كان يقوم بأنشطة سياسية ثورية هي الأخرى محفوفة بالأسرار... ثم مرة أخرى السرية والصمت والعنف عندما يبدأ هذا الأب في الإساءة إليها...
في هذا التحقيق المزدوج، تغوص مونيكا سابولو في مسألة الجريمة والعنف السياسي، ومسألة الذنب والتسامح، والتركيب النفسي للمنخرطين في هذه المنظمات من خلال مقابلة فتاتين تعيشان في قلب النظام القيمي والاجتماعي الغربي، ولا سيما الفرنسي وتقتلان بدم بارد. أخبرتها ناتالي مينيجون عندما قابلتها: «إذا بدأت في التفكير، فسأشكك في كل شيء. للمضي قدماً، يجب على المرء ألا يفكر أو يسأل نفسه».

«اسمي بلا هوية»
Mon nom est sans mémoire
ميكيلا مارزانو ـ ستوك

عندما يصبح شقيقها أباً، تحاول ميكيلا أن تفهم سبب عدم تجرؤها على إنجاب طفل. ما الذي كانت تخافه دائماً؟ حين تلتفت إلى جذورها لا سيما من جهة الأب، تكتشف أن اسمه الأوسط بينيتو، وعند استفسارها عن الأمر في الأوساط العائلية، تقابل باللامبالاة التي تتردد بين المراوغة والعداء. لماذا الاسم الأول لموسوليني؟ تنطلق ميكيلا في رحلة التقصي، بمساعدة الإنترنت، ويسعفها صندوق من الميداليات العائلية ينام فوق خزانة، وأكوام من الرسائل كساها الغبار على مر السنين، ما يشكل بالنسبة إليها بداية Puzzle كبير حول الحقيقة. الحقيقة هي أن جدها لأبيها، الذي قيل إنه ملكي ووطني في العائلة، كان من أوائل مؤيدي الدوتشي. اجتاحت الحرب العالمية الأولى إيطاليا، وقتلت أكثر من مليون عسكري ومدني، وأغرت الفاشية جيلاً كاملاً مصاباً بغرور التفوق العرقي والحنين إلى عظمة إمبراطورية آفلة في ظل واقع سياسي واقتصادي مأزوم. بعد الحرب، يعمل الجدّ في القضاء ويحكم في قضايا السياسة المحلية والوطنية في مدن إيطالية عدة ويسدل الستار حول ماضيه الذي يغدو تناوله نوعاً من المحظورات حتى في أقرب الدوائر الأسرية. الصدمة الحميمة التي أثارها هذا البحث في ميكيلا تربطها بذكاء بالعقدة الروائية: ماذا لو كان مصدر خوفها من الإنجاب يكمن في ماضي عائلته المكبوت؟ في هذه الرواية المترجمة التي اختارها نقاد مجلة «نوفيل اوبسرفاتوار» كعلامة مميزة في روايات بداية الموسم، تنطلق مارزانو (1970) المتخصصة في الفلسفة في «جامعة بيزا» والعضو في البرلمان الإيطالي في دورة 2013 عن الحزب الديموقراطي، من تاريخ عائلتها الصغيرة باعتباره صدى لمصير بلادها الكبير: منطقة الكبت والصمت والفرح المكبوت الذي يتحول بموجبها البيت الأسري إلى ما يشبه السجن تكسره الحفيدة حين تشرع في رحلة الكتابة التي قد تكون هي الجنين الممنوع الذي يأخذ سبيله بالقوة إلى الضوء.

«التفكك» La Dissociation
ناديا يالا كيسوكيدي ــ سوي

«أحاذر الضوء الذي يُغرق العالم، أحاذر الآفاق. هذه الأكاذيب التي تلقي بظلالها تضيّق النظر. أنتمي إلى الضباب. أنتمي إلى الليل»: هذه هي العبارة التي ضمنتها ناديا يالا كيسوكيدي (1978) روايتها الأولى، هي القادمة إلى الرواية من عالم الفلسفة. إذ عرفت كيسوكيدي في الأوساط الأكاديمية بمساءلتها مفهوم البشرة السمراء في إطار الكولونيالية الفرنسية. في الرواية المرشحة بقوة لجائزة «لوموند» التي تواكب بداية الموسم الأدبي، ننطلق مع الراوية، المراهقة «من أجل تفجير الكتابة والعبث بالأبعاد والعالم»: يبدأ التفكك من هرب هذه الفتاة الضئيلة الحجم والهجينة الأصول، من جحيم العيش مع جدتها في الشمال الفرنسي عند الفجر، متسلحة بثلاث: نقود مسروقة ودليل طرق مبلل بماء المطر، والسلاح الأخطر أي مخيّلة يمكنها بسهولة ارتداء أجنحة وتجاوز الواقع. من الشمال البارد إلى المساكن الشعبية في الضواحي الباريسية، من مراسم الفنانين إلى المستودعات الخلفية في الفنادق، من مكتب بريد في الدائرة السادسة عشر إلى المدينة الفوضوية التي ولدت من الخرسانة والمهاجرين، إنها قصة عبور مجنون عند سفح العالم، بالقرب من الأشباح، وتسلل في ثقوب الذاكرة الشخصية والجماعية، مطعّمة بالهلوسة والشاعرية والبهجة: رواية أولى تستعير أحياناً من الواقعية السحرية لتنسج حكاية معاصرة تحجز لصاحبتها مكاناً بين الأسماء الكبرى في بداية الموسم.

«مهاجمة الأرض والشمس» Attaquer la terre et le soleil
ماتيو بيليزي ـ لو تريبود

في رواية مليئة بالعبث والرهبة، يستحضر ماتيو بيليزي (1953) أجواء الجزائر الاستعمارية عام 1845 ويستعير للسرد صوت مستوطِنة يائسة يموت ولداها الاثنان بالكوليرا، وجندياً ساخراً ينتمي لكتيبة تنهب وتغتصب وتعيث في الأرض المستعمرَة فساداً، حين يردد آمر الكتيبة لتبرير الفظائع التي ارتكبتها فرنسا بأهل البلاد: «نحن لسنا ملائكة»، ليردد الجنود الجملة ذاتها وهم يخطون فوق الجثث والأرض المحروقة.
لم يتوقف ماتيو بيليزي، الكاتب المتأثر بأجواء ويليم فولكنر، عن النفث في التاريخ الاستعماري ونكئ الجراح القديمة منذ ما يقرب من 15 عاماً في سلسلة من الروايات التي تتناول أحداث الجزائر وتنصب في وجه السكوت الفرنسي الرسمي احتجاجاً لا تخبو جذوته. كتابة توّجها بيليزي بثلاثية «كانت أرضنا» (2008)، و«المجانين القدامى» (2011) و«خطوة عاثرة في حياة إيما بيكار» (2015). لا تكف الجزائر عن إشباع خيال بيليزي في لحظة متوترة في المجتمع الفرنسي في تلونه وصعود اليمين فيه ومطالبة أبناء المستعمرات القديمة بحقوق كاملة كمواطنين والاعتراف بمآسي الاستعمار وأهواله: من الجمل الأولى «مهاجمة الأرض والشمس» برنتها الموسيقية والسرد الذي ينتقل برشاقة بين المرأة المفجوعة التي لم يعصمها انتماؤها إلى الجانب الأقوى في لعبة السطوة والجغرافيا من المآسي في عائلتها الصغيرة، والجندي الذي عاين جنون وتراجيدية احتلال أرض وتطويع شعب بقوة الحديد والنار. لا شك في أن بيليزي يفرض نفسه ضمن قائمة الروائيين والكتاب الكبار الذين تناولوا موضوع الاستعمار الفرنسي الشائك، من بيار غيوتا إلى كاتب ياسين وآسيا جبار وأليس زينيتير وبريجيت جيرو وكوثر عضيمي وغيرهم.

«عزيزي الوغد» Cher connard
فيرجيني ديبانت ــ غراسّيه

«ثمة عدد قليل من الكاتبات اللواتي حقّقن هذا المستوى من التقدير، من حيث المبيعات أو التناول النقدي. تعيد فيرجيني ديبانت (1969) إلى الأذهان صورة الكاتبة العظيمة: لأنها بالفعل تحمل قضية نسوية، ولأنها تنحدر من خلفية شعبية، تتحدث عن الدعارة والعنف ونستخلص مما تكتبه صوتاً سياسياً»، تشرح سيسيل شاتيليه، الناقدة والباحثة في «جامعة انجيه». إنها الرواية المنتظرة في بداية الموسم لأيقونة النسوية التي أعلنت مثليتها الجنسية في عمر الخامسة والثلاثين، وما لبث أدبها أن تحول إلى ما يشبه حلبة المصارعة تُستعرض فيه كل القضايا الجندرية والهوياتية الشائكة، وهو ما لا تشذ عنه «عزيزي الوغد» التي تعالج في حبكتها ثالوث الذكورية المقيتة، والمخدرات والشهرة: تمزج ديبانت هذه الإدمانات الحديثة في سبك روائي محكم هو أشبه في عوالمه برواية «علاقات خطرة» الشهيرة لبيار دو لاكلو ولكن بقالب سيبراني عصري، حيث يُستبدل فيرمون ومرتوي بطلي لاكلو بأوسكار جاياك، كاتب على وسائل التواصل الاجتماعي في حركة Metoo المنددة بالعنف الجنسي، وريبيكا لاتيه، نجمة سينمائية، يتبدى فيها كل عالم ديبانت الذي عرفناه في ثلاثية Vernon Subutex التي صدرت بين عامَي 2015 و 2017 ، وصنعت شهرة فيرجيني ديسبينتس من خلال رسم صورة دقيقة للمجتمع الفرنسي عبر إشكاليات متعلقة بالموسيقى، والشعور بعدم الاستقرار الثقافي والهوياتي، ومعضلات المد الديني وصعود الشعبوية، والهجمات الإرهابية والعنف ضد المرأة وغيرها من القضايا الشائكة التي تتفنن ديبونت عبرها في إخراج القارئ من منطقة الأمان.

«قرد على نافذتي» Un singe à ma fenêtre
أوليفيا روزنتال ــ غاليمار

تعود بنا الرواية إلى ذلك الربيع المؤلم من عام 1995، حين شنّت جماعة «أوم» المتطرفة هجمات بغاز السارين في مترو أنفاق طوكيو. بعد خمسة وعشرين عاماً، تنطلق الراوية في رحلة تقصٍّ حول الحادثة الأليمة لتجمع شهادات أهالي الضحايا في البلاد التي كان الفيلسوف والأديب الفرنسي رولان بارت يرى فيها قروداً، وتراها أوليفيا روزنتال (1965) هي الأخرى، كأن الراوية ومن قبلها بارت تلعب على التقارب الحروفي بين كلمتي قرد singe ورمز signe: إلامَ يرمز إذن هذا القرد الذي يسكن عنوان الرواية؟
من قلب فيلا كيجوياما في كيوتو، وهو مكان غالباً ما يتردد عليه الكتاب الفرنسيون ويذكرونه في رواياتهم، نظراً إلى كونه مسكناً للمؤلفين الذين يقدمون مشروعاً، تنطلق البطلة بعد أكثر من ربع قرن على الحادثة في تحرياتها: تجري المقابلات، وتستعرض الأشخاص ممن غيّرت الحادثة مصائرهم إلى الأبد: عضو في الطائفة المتطرفة، طلاب فرنسيون صودف وجودهم في المترو، أشخاص ولدوا أثناء الحرب العالمية فتحت الحادثة جراحهم القديمة، وصديقة لأحد الإرهابيين، وكذلك الأماكن التي تنتقل بينها بكاميرا السرد الذكية، فترسم صورة دقيقة لليابان اليوم. مثل كل الكتاب الذين يرون «امبراطورية الشمس» بعيون غربية وهو ما يحيل إليه العنوان الإكزوتيكي للرواية، فإن الكاتبة تصر على الاختلاف الثقافي، لكن سرعان ما نستكشف أن هذه المقابلة بين الشرق والغرب ليست سطحية واستحضارها بالتالي ليس سياحياً خفيفاً. رواية زاخرة بالانتباه إلى الإيماءات والمواقف والصمت والقصص غير المألوفة التي تعطي صورة حزينة لعالم يحتضر، لعالم قديم وهادئ، عالم لا يمكن إصلاحه يعيش يوميات حداده بتعبير رولان بارت نفسه.
«حين تسمع هذي الأغنية»

Quand tu écouteras cette chanson
لولا لافون ـ ستوك

لو فتحت لك ساحرة جنية مجاناً باب متحف ما، هل كنت ستقضي ليلة مع الموناليزا في متحف اللوفر مثلاً؟ بطلة لولا لافون (1970) يهودية من أصل روماني تقرر في 18 آب (أغسطس) 2021، أن تمضي ليلة في ملحق متحف آن فرانك في أمستردام، حيث عاشت الفتاة مختبئة لمدة خمسة وعشرين شهراً قبل أن تُقتل، وهي تبلغ 16 عاماً، في بيرغن بيلسن على أيدي النازيين. روح الرواية إذاً هو الاقتراب من المسافة صفر ما يشكل جرحاً في الضمير الغربي الأوروبي والتحديق في «ما لن يلتئم أبداً» وتصفية حساب صعبة مع أزمة ضمير في قلب هذه المواجهة المكثفة. قضت الكاتبة عشر ساعات بمفردها، في 40 متراً مربعاً في ملحق المتحف في أكثر الأماكن خلاءً ووحشة. القواعد الموضوعة عند المدخل صارمة: يمنع التصوير، وكذلك الشرب أو الأكل، ولكن أيضاً على المرء تعليق حقيبته على مقبض الباب: قائمة من المحظورات والممنوعات تشبه تلك القيود المفروضة على عائلة فرانك لمدة خمسة وعشرين شهراً والتي انتهت بسوقهم إلى غرف الغاز. تتخذ البطلة كذلك من قصة آن فرانك إطاراً عاماً لتنطلق في سرد قصتها هي الأخرى: فرار عائلتها من المذابح البوغروم اليهودية في روسيا وبولندا في مطالع عشرينيات القرن الماضي، وهي تحلم بفرنسا فيكتور هوغو، الفتاة الصغيرة تريد أن تقرأ فرانسواز ساغان وتحزن على موت الحيوانات، وتستحضر الحزن الخفيف الضبابي الذي تصفه في بداية الرواية بسديم يخفي خلفه هوة ساحقة. نص مفعم بالمآسي الصغيرة والكبيرة يتقاطع مع أدب المحرقة الذي أصبح ثيمة أثيرة في الأدب والسينما.

«استعادة» Une rétrospective
لخوان غابرييل فاسكيز ــ سوي

إنها الرواية الثانية المترجمة عن الإسبانية (كولومبيا) لخوان غابرييل فاسكيز (1973) أحد أبرز روائيي القارة الأميركية الجنوبية اليوم بعد «جسد الخرائب» التي فرضت صاحبها كروائي يجيد كدأب أسلافه من أساتذة مدرسة الواقعية السحرية، فن تحوير الواقع من خلال منظور الخيال، ذلك أنّ أرضه الأم، كولومبيا هي أرض اتحاد هذين العنصرين بامتياز، ولأنه قبل كل شيء يقتضي عمل الروائي نبش بطن التاريخ للقيام بعملية تأويل: هذا ما يفعله فاسكيز تماماً في «استعادة» حين يتناول سيرة المخرج الكولومبي سيرجيو كابريرا وأبرز محطات حياته بين الصين الثورة الثقافية والمقاتلين الكولومبيين في قالب سردي يخلط المصير الفردي بالدراما الجماعية. أثناء معرض استعادي لأعمال السينمائي الراحل في برشلونة، يستغل الراوي الفرصة للقاء ابن الراحل وزوجته المنتقلة إلى لشبونة بعد حياة حافلة في معاقل اليسار والشيوعية في العالم، وبالتالي تجميع القطع الناقصة من أجل «الكشف عن معاني غير مرئية في الجرد البسيط للحقائق». لكن ما هي الحقائق؟ للإجابة على هذا السؤال، يفتح فاسكيز في قلب السرد أكثر من هوة مكانية وزمانية، ويلقي الضوء على أكثر من منعطف ستتخذه حياته المهنية وزيجاته وعلاقاته الأسرية وسلطة والده، يقدم خوان غابرييل فاسكيز لسيرجيو كابريرا وعائلته أكثر من مجرد استعراض لحياتهم الخاصة. إنّها فرصة للتحايل على كل السرديات المعلبة، سواء سياسية كانت أو دينية أو أبوية. بأسلوب مشوق يتقنه حتى الكمال، يعيد خوان غابرييل فاسكيز لأفراد عائلة المخرج حقهم في امتلاك نسختهم الخاصة من التاريخ. نسخة تتكشف عن أشكال مختلفة من المعرفة قد لا تروق للبرمجة الغربية لإنسان اليوم وأفقه السياسي، وتتمخض عن اكتشاف لأكوان أخرى خفية أو سرية.