منذ تموز (يوليو) 2022، تحتفي الصحافة الثقافية والأدبية، بالمئوية الأولى لصدور مطوَّلة ت.س. إليوت (1888 ــــ 1965) «الأرض اليباب» في تموز (يوليو) 1922. قصيدة من 433 بيتاً، نَزَعَ فيها إليوت إلى استلهام خلطة من مخزونه الثقافي والمعرفي والنفسي: الميتافيزيقيون الإنكليز، التَّصويريون الأميركان، الرمزيون الفرنسيون، إضافة إلى المخلّفات النفسية للحرب العالمية الأولى مِنْ جزعٍ وتشاؤم. القصيدة مترعةٌ بالتناصّ والإشارات، تضميناً وتلميحاً، بحيث نشرها إليوت في ما بعد، مع هوامش وشروحات وافية فَكَّت الكثير من مفاتيح النص، إضافةً إلى الدراسات التفسيرية والنقدية التي تناولتها على مدى العقود.

بمن جملة ما أضافه إليوت إلى المشهد الشعري، بهذه المطولة، تَفَرّد أسلوبيّ تمثل في الاستناد إلى سارد يتغيّر بين مقطع وآخر، ما كان يحتّم تغيير الزَّمكان أيضاً. أمر دفع نقاداً عديدين إلى اعتبار «الأرض اليباب» ملحمةً حديثةً، بل ملحمةَ الأنغلوساكسون الحديثةَ، التي دفعت سان- جون برس إلى كتابة ملحمة الفرنسيين الحديثة: Anabase (1924).
صارت مطولةُ إليوت من كلاسيكيات الناطقين بالإنكليزية، وبعضُ عباراتها مثلاً سائراً: «آذَارُ أَقْسَى الشّهور» وهي في الأصل اقتباس من «حكايات كانتربري» لجيفري تشوسر، أو «سَأُرِيكَ الخوف في كمشة غبار»... أو «شَانْتِيهْ شَانْتِيهْ شَانْتِيهْ» وهي كلمة سنسكريتية تعني: «سَلَامٌ» وبها يختم إليوت القصيدة تكراراً، كأنه يبحث، مع معاصريه، عن سلام يتجاوز كلَّ إدراك.
منذ البداية، لاقت القصيدة استحسان أهم معاصري إليوت من كُتَّاب، وشعراء خصوصاً، من بينهم: باوند، أودن، همنغواي، وليم كارلوس وليمز، جويس (رأى نقّاد كثيرون أنّ إليوت سار في الشعر على خطى ما فعله صاحب «عوليس» في النثر؛ بل إنّ هناك من يعزو الهيكل السردي للقصيدة إلى تأثيرات حكواتي دبلن الأول). ومن بين الترجمات العربية، فضلنا الاستناد إلى العنوان الأحدث من بينها، الذي ترجمه عبد الواحد لؤلؤة. علماً أنّ المطولة نفسها ترجمها في الماضي كلّ من لويس عوض، ويوسف الخال بالاشتراك مع أدونيس، وتوفيق صايغ، من بين آخرين.