في أيار (مايو) 2023، تمرّ الذكرى الأربعون على رحيل أمل دنقل (1940 ـــ 1983) أيقونة المقاومة، أو الجنوبي الذي لم يكن شاعراً عادياً في الوجدان العربي بعدما عاصر أحلام العروبة والثورة. أحد أبرز المبدعين الذين عارضوا اتفاقية كامب دايفيد، ظلّ معارضاً حتى انطفاءته الأخيرة. لغاية اليوم، ما زالت الجماهير تردّد قصيدته «لا تصالح» مع كل خيانة تطبيع عربية، فيما شعره موضوع دراسات وأبحاث آخرها صدرت قبل أيام بعنوان «الذات والمجتمع في شعر أمل دنقل» للباحثة والناقدة العراقية موج يوسف.إنّه الجنوبي الذي لا يموت، تصحّ عليه نبوءته عن صديقه يحيى الطاهر عبدالله التي كتبها في قصيدة «الورقة الأخيرة ـ الجنوبي» (من ديوانه «الغرفة رقم 8»): «هل يموت الذي كان يحيا/ كأن الحياة أبد/ وكأن الشراب نفد/ وكأن البنات الجميلاتِ يمشين فوق الزبد!/ عاش منتصباً بينما ينحني القلب يبحث عما فقد». بدأ دنقل كتابة الشعر متأثراً بوالده الذي كان عالماً أزهرياً ومدرّساً للغة العربية في قرية القلعة في محافظة قنا (صعيد مصر)، نشر أولى قصائده عام 1956 في مجلة مدرسة قنا الثانوية. ابن الصعيد ساهم انتقاله إلى القاهرة في تحويله من الشاعر الرومنطيقي، إلى شاعر يربط الشعر بقضايا المجتمع والتحرّر والمهمّشين. عمل موظفاً في محكمة قنا وجمارك السويس والإسكندرية، لكنه طبعاً، لم يستطع الإكمال في أي وظيفة. اشتبك مع المجال السياسي والعام، الذي تأثر به وترك أثراً على قصائده بمرور الزمن. لم يكتب دنقل الشعر فقط، بناء على كلام زوجته الصحافية عبلة الرويني وأخيه أنس، بل كتب مسرحيتين بعنوان «الخطأ» و«الحاكم بأمر الله» لم ينشر أيّ منهما بعد، وأيضاً أغنية للفنانة عفاف راضي عنوانها «ولد وبنت سمرا». نشر في حياته ستّ مجموعات شعرية أولها «البكاء بين يدي زرقاء اليمامة» (بيروت ـ 1969) وآخرها «أوراق الغرفة 8» (القاهرة 1983) التي كانت رقم غرفته في «المعهد القومي للأورام»؛ حيث أمضى السنوات الأربع الأخيرة من حياته بسبب إصابته بالسرطان. هكذا، بدت غرفته حياته كلها لا جزءاً منها، وقصيدته «الورقة الأخيرة ـ الجنوبي» أيضاً تكثيفاً لتلك الحياة التي اتسع فيها الشعر لـ «ظلم» عبد الناصر و«نكسة يوليو» ثم حكم السادات. يتصفّى الشعر من تجربة حياة دنقل، من جسمه الذي دمره السرطان... الشعر الذي عزف عن كتابة النثر من أجله، كما أخبر رفيقة دربه في إحدى رسائله إليها.