منذ كتابها الأول «الأيام الأخيرة في حياة محمد» (دار البان ميشال)، لم يتوقف الجدل حول ما تكتبه هالة الوردي (1973). هذه الباحثة الإشكاليّة هي الوحيدة من بين الباحثين التونسيين الذين قدموا من ضفة أخرى غير قِسمي التاريخ والحضارة في الجامعة التونسية أمثال محمد الطالبي، وهشام جعيط، وعبد المجيد الشرفي، ووحيد السعفي، وآمال قرامي وزهية جويرو وغيرهم. أستاذة الأدب والحضارة الفرنسية في جامعتي تونس وفرنسا، فتحت أبواباً في البحث بجرأة علمية حول الإسلام المبكر سواء في كتابها الأول حول حياة النبي محمد بن عبدالله وعلاقته مع الصحابة، أو في سلسلة «الخلفاء الملعونون» كما سمّتهم. تؤكد الوردي التي صدرت كل أعمالها في باريس وبلسان فرنسي أنها لم تختلق شيئاً، ولم تعتمد أي مرجع خلاف المراجع المعروفة في التراث العربي الإسلامي، وكل جهدها هو القراءة والتحليل والاستنتاج. في كتابها الجديد «جريمة في المسجد» (البان ميشال) حول اغتيال عمر بن الخطاب، أثارت حقيقة هذا الاغتيال وتأثيره في مسار التاريخ العربي الإسلامي الذي تطوّر في ما بعد باغتيال عثمان وعلي إلى ما يعرف بالصراع بين الشيعة والسنة. فاغتيال عمر لم يكن حادثاً منفصلاً، بل أسّس لمسار جديد في التاريخ. ألقت هالة الوردي حجراً في المياه الراكدة، فكتبها دعوة لإعادة قراءة تاريخ الإسلام المبكر برؤية نقدية، انطلاقاً من النصوص المؤسِّسة من سير وكتب تاريخ. يتطلع القارئ العربي إلى قراءة أعمالها في لغتها العربية التي تسمّيها هالة الوردي إعادة كتابة، لا ترجمة، وهي تعد أن تصدر قريباً بعدما اكتملت السلسلة بصدور الجزء الثالث حول اغتيال عمر بن الخطاب قبل شهرين في باريس. صدور هذا الكتاب تزامن مع انتخاب الوردي أستاذة الأدب الفرنسي في الجامعة التونسية والفرنسية عضواً في الأكاديمية الملكية البلجيكية، لتكون بذلك أول باحث عربي يحتلّ منصب كرسي الفرنكوفونية في هذه الأكاديمية العريقة. حول مقارباتها للإسلام المبكّر والفرنكوفونية، كان معها هذا الحوار
هالة الوردي: أذكّر القارئ بأنّ مؤلفاتي اعتمدت المنحى السردي، لكنّها تستند إلى ما ذكر في كتب التراث الإسلامي من تفاسير وسير وتراجم

كيف تقبّلت اختيارك لكرسي الفرنكوفونية كأول عضو عربي؟
ــ كانت بالنسبة إليّ مفاجأة سارة للغاية لأنّه وقع ترشيحي وانتخابي من دون علمي ومن بين قائمة تضم ستة من بين كبار الباحثين في العالم الفرنكوفوني. لكن كما تعلم، كل تشريف يصحبه شعور رهيب بالمسؤولية. عليّ الآن أن أبرهن عن جدارتي بهذا المنصب العلمي المتميز، وأن أكون في مستوى الثقة التي وضعها فيّ أعضاء الأكاديمية البلجيكية. كما أنّني أعتبر أنّ هذا المنصب يتجاوز بمراحل شخصي المتواضع، فهو دليل على أنّ العالم الأكاديمي الغربي يفتح يديه للباحثين من الدول العربية الإسلامية، ويريد أن يستمع إلينا وأن يسهم في نشر أبحاثنا وإيصال صوتنا.

انطلاقاً من العلاقة بين العالم العربي والمستعمر القديم، هل ما زالت الفرنسية «غنيمة حرب»؟
- أعتقد بأنّ الكاتب الذي وصف اللغة الفرنسية بغنيمة حرب هو الأديب الجزائري كاتب ياسين، وهي عبارة موفقة للغاية أراها تعبّر جلياً عن الإضافة الثقافية والحضارية التي قدمتها اللغة الفرنسية للشعوب التي احتكّت بها حتى لو كانت ظروف هذا الاحتكاك ظروف استعمار وهيمنة سياسية. أعتقد أنّ هذا الأمر لا ينطبق على اللغة الفرنسية فحسب، بل ينطبق أيضاً على اللغة العربية التي أعتبرها أيضاً غنيمة حرب بالنسبة إلى سكّان شمال أفريقيا. فهذه اللغة ليست لغتهم الأصلية، وكانت في البداية دخيلة، وفُرضت على هذه الشعوب في ظروف ما يسمّى بالفتح الإسلامي، وهي عبارة تلطّف البعد العنيف لما كان حقيقة غزواً سياسياً وعسكرياً. لكن مع مرور الوقت، تبنّت شعوب شمال أفريقيا اللغة العربية لتصبح بالنسبة إليها لغة الفكر والإبداع، وهذا بالضبط ما وقع مع اللغة الفرنسية التي ـــ بنظري ـــــ ليست لغة المستعمر القديم، بل هي جزء لا يتجزأ من التعددية الثقافية التي هي نعمة حضارية وليست كما يراها البعض مصدراً للفتنة والانشقاق أو تبعية سياسية لقوة أجنبية. بالنسبة إليّ، اللغة الفرنسية، كما هو الأمر بالنسبة إلى اللغة العربية، موروث حضاري كوني يتجاوز الانتماء الجغرافي (فرنسا أو الجزيرة العربية) ليصبح ملكاً جماعياً مشاعاً ننتفع به ونثريه في الوقت نفسه.
كتب التراث العربي الإسلامي حية وثرية كفيلة بتوجيهنا إلى قراءة جديدة ومتجددة لتاريخ الإسلام


كثيرون يتهمونك أنك في صدد إحياء الاستشراق، لكن بهوية عربية وتونسية؟
- من المؤسف حقيقةً أن يركز المنتقدون لأبحاثي على الاتهامات غير المعلّلة وعلى التفتيش في النوايا. أنا عادةً لا أردّ على الاتهامات التي لا تقدم أي برهان، وهذا هو الافتراء بعينه، لأنّي أعتبر مجرد الردّ يضفي عليها شيئاً من المشروعية. لكن في سؤالك إشارة إلى مدرسة الاستشراق، وهذه فرصة لتوضيح بعض النقاط: أولاً أنا لا أعتبر إحياء الاستشراق تهمةً، لأنّ الاستشراق قدّم خدمات جليلة للفكر العربي الإسلامي. مثلاً، لولا المستشرق الفرنسي سيلفستر دو ساسي (Silvestre de Sacy) لما تنبّهنا لقيمة أعمال ابن خلدون في مجال علم الاجتماع وفلسفة التاريخ. ثانياً مَن يتّهمني بإعادة إحياء الاستشراق، هو ببساطة لم يقرأ كتبي لأنه لو فعل ذلك للاحظ أنني لا استشهد بأي كتاب من كتب المستشرقين لا استنقاصاً من قيمتهم، بل لأن المنهج الذي اعتمدته مبنيّ على العودة إلى المصادر الأصلية أي كتب التراث العربي الإسلامي كي أبرهن أنها ليست نصوصاً جامدة متحجرة، بل هي نصوص حية وثرية كفيلة بتوجيهنا إلى قراءة جديدة ومتجددة لتاريخ الإسلام. لذلك، فإنّ ما أطمح إلى إحيائه ليس الاستشراق بل الموروث الإسلامي، وإن كان هذا الطموح تهمة أو ذنباً، فإني دائبة على جمع الذنوب!

كتبك المتتالية حول إعادة قراءة التراث الديني والسيرة النبوية سبّبت لك ربما الكثير من المتاعب، كيف تعيش هالة الوردي حياتها في مواجهة هذا «الضغط الشعبي»؟ وهل تعتقدين أنّ الكتابة بالفرنسية خفّفت هذا الضغط؟
- حتى أكون صريحة ولأنّني لا أحب لعب دور الضحية لكي أكسب التعاطف، فإنّي أقول إنّ كتبي لم تسبّب لي المتاعب ولم يمارس علي أيّ ضغط أو تهديد، بل بالعكس. عدد رسائل الإعجاب والتشجيع التي أتلقاها، يفوق بكثير رسائل السبّ والشتم. من الأكيد أنّ اختيار اللغة الفرنسية حماني بالفعل من شرور المتعصبين وجعل أغلب قرّائي من النخبة الفرنكوفونية المنفتحة، لكن في المقابل كانت لي العديد من المداخلات في وسائل إعلام عربية تحدثت فيها بكل جرأة عن محتوى كتبي وأبحاثي، ولم تتسبّب لي هذه المداخلات في أيّ متاعب، بل بالعكس لاحظت الكثير من الحماسة وحب الاطلاع لدى المشاهدين. يعود ذلك برأيي إلى سببين: الأول هو أن الأغلبية الصامتة في العالم العربي الإسلامي متعطشة إلى خطاب جديد ينيرها، ولا يحاول استبلاهها. والسبب الثاني هو أنّ كل ما أقوله عن تاريخ الإسلام المبكر، يعتمد على شواهد مستمدة من كتب التراث الإسلامي نفسه. وهذا ما يسبّب لكل من يريد انتقادي حالةً من الشلل الفكري يجعله عاجزاً عن دحض ما أقوله. لقد دعوت في عديد المناسبات كل من ينتقدني إلى مناظرة فكرية بناءة يستفيد منها الجميع، لكن للأسف لم يكن لأحد الشجاعة لمواجهتي بالحجة و البرهان.

اختلفت مع المفكّر الراحل هشام جعيط، لماذا هذا الاختلاف وكيف تقيّمين منجزه؟
- لا شك في أنّ الأستاذ هشام جعيط قامة علمية تركت بصمة مهمة، وهو في هذا لا يحتاج إلى شهادة منّي. وحتى أكون دقيقة، فأنا لم أختلف معه أبداً. كنت فقط في بعض المواضع من كتبي قد دعوت بالاستناد إلى حجج علمية إلى تنسيب بعض استنتاجاته، وهذا بالطبع لا ينتقص من قيمته. فهذه سنة البحث العلمي: كل باحث يتجاوز بطريقة أو بأخرى ما قاله سلفه، فبهذا الشكل يتطور الفكر الإنساني. لكن على ما يبدو، لم يقبل الأستاذ جعيط هذا المبدأ. وعوض أن يناقشني، تهجّم علي ووصفني بأبشع النعوت من دون تقديم أي دليل علمي ملموس. وقد رأى العديد من الملاحظين أن موقف الأستاذ جعيط كان ذاتياً لا موضوعياً. كانت دوافعه الغرور والغيرة والإحساس بأنّ شخصاً ما اقتحم مجال بحث يعتبر نفسه الفاتق الناطق الوحيد فيه. من جهتي، تأسفت كثيراً لما قاله واعتبرت أنه لا يليق به. ولكي يتجاوز هذا الموقف الانفعالي المتشنج، دعوته في رسالة مفتوحة إلى مناظرة فكرية رصينة نتبادل فيها الآراء والحجج عوض السب والشتم، لكنّه تهرب من المواجهة ربما لأنه يعرف جيداً أنّ كل ما أقوله موجود في الكتب التي اعتمدها هو بنفسه ويعرفها جيداً. وكما يقول المثل، لكل عالم هفوة ولكل حصان كبوة وأعتقد أن الأستاذ جعيط قام بهفوة في حقي. على أي حال، أعتبر أن هذه الصفحة قد طويت نهائياً بوفاة الأستاذ جعيط رحمه الله وستبقى كتبه مرجعاً ثميناً للأجيال القادمة.

أنت من جملة مجموعة من التونسيات الباحثات في التراث العربي، هل تعتقدين في وجود مدرسة نسوية تونسية في قراءة التراث الديني؟
- هذا أكيد لكن عوض كلمة مدرسة، أفضّل كلمة حركة لأن المدرسة تكون عادة مهيكلة ويتفق أعضاؤها مسبقاً على مبادئ وأهداف عامة مشتركة، وليس الأمر كذلك بالنسبة إلى الباحثات التونسيات في مجال التراث العربي الإسلامي. فكل واحدة منهن تعمل بصورة فردية وتقريباً معزولة ولا تهتم كثيراً بأعمال زميلاتها. حتى لو اهتمّت، فعادة لتوجيه النقد اللاذع، وهذا أمر أتفهّمه لأن المنافسة على أشدها. واسمح لي أن اعترض على كلمة «نسوية»، فالفكر والبحث العلمي لا جنس لهما. كما أن العديد من المفكرين الذكور يحملون مشروعاً حداثياً تجديدياً للتراث الديني، فكل ما نحتاجه اليوم هو أن يشق هذا الفكر التقدمي النقدي (أكان نسائياً أو رجالياً) طريقه إلى عقول الأغلبية وأن يخرج من أسوار القلعة الأكاديمية النخبوية حتى يؤثر فعلياً في الواقع و يسهم في تغييره.

مناهج التدريس وبخاصة في التاريخ والفقه واللغة، ألا ترين أنها تستدعي مراجعة جذرية من أجل تجفيف بيئة التطرف الديني؟
- من الأكيد أنّ التعليم في حاجة إلى إصلاح جذري وينبغي أن تنمّي مناهج التدريس الحس النقدي والتفكير الحر والمنفتح. لكن مع الأسف هذا في جميع الأحوال غير كاف لأن التطرف الديني لا يستند فقط إلى قراءات وتأويلات متعصبة، بل يرتكز إلى آيات وأحاديث صريحة فيها دعوات مباشرة لممارسة العنف واضطهاد كل من يتمسك بحرية الضمير. لذلك ترى أي محاولة لإصلاح التعليم الديني غير ناجعة بما أنها تصطدم بالنصوص المقدسة وتبقى عاجزة عن نقدها وإعادة النظر فيها. فكيف لأستاذ تاريخ أو دين أن يُنسّب مسألة الدعوة إلى الجهاد والقتال في القرآن والقول لطلابه بأنّ هذه الدعوات مرتبطة بظروف تاريخية معينة في حين أن الجميع يردّد أن القرآن صالح لكل زمان. كما أعتقد بأنّ تجفيف بيئة التطرف الديني يمرّ لا بإصلاح تعليمي، بل بإصلاح تشريعي وأخلاقي. فالإسلام، المتطرف منه وما يسمى بالمعتدل، يكرّس ممارسات مبنية على اللامساواة وعلى عدم الاعتراف بحرية الضمير. لذلك نرى الإسلام لا يعترف بالمساواة بين الجنسين ولا بين المسلم وغير المسلم. كما نرى المسلمين ينتفضون غضباً حين يحسون بأنّ أحدهم انتقد دينهم ويتهمونه بالازدراء في حين أن نفس هؤلاء المسلمين يتهمون الأديان الأخرى بتزوير كتبهم المقدسة وبالشرك. يجب علينا الاعتراف بأمر جوهري برأيي: ما دام أغلب المسلمين يعتقدون أنّهم يمتلكون الحقيقة المطلقة وأنّهم يتبعون الدين الصحيح على عكس الديانات الأخرى، فإن بذرة التطرف ستبقى خصبة وستواصل إنتاج كل أشكال العنف الجسدي و المعنوي.

مقتل عمر بن الخطاب اغتيال سياسي شبيه بمقتل ملك فرنسا هنري الرابع أو مقتل الرئيس الأميركي كينيدي


إلى متى ستبقى كتبك بعيدة عن القراء الذين يجهلون الفرنسية، هل هو اختيار؟
- لا ليس اختياراً بالمرة والدليل أنّ كتبي ترجمت إلى لغات عديدة منها الإسبانية والإيطالية والفارسية. لكن لو قصدت بسؤالك اللغة العربية، فإن تأخّر صدور الترجمة العربية لكتبي، يعود إلى عوامل ظرفية لا علاقة لها برفض مبدئي من جهتي، فأنا حريصة على المساهمة الفعلية في الترجمة العربية لأني أتقن هذه اللغة، وقد كان انشغالي بتأليف سلسلة «الخلفاء ولعنة فاطمة» السبب الحقيقي الذي منعني حالياً من الانكباب على الترجمة العربية لأعمالي. الآن وقد انتهت السلسلة بصدور الجزء الثالث والأخير منها، فإنه بإمكاني الاهتمام بالطبعة العربية لكتبي. ستكون هذه الطبعة إعادة كتابة أكثر مما هي ترجمة بالمعنى الضيق للكلمة، فلا يجب أنّه رغم صدور كتبي باللغة الفرنسية، فإن المادة الأولية فيها عربية لأنني اعتمد على نصوص التراث الإسلامي. لذلك، ستكون النسخة العربية من كتبي بمثابة العودة إلى الأصل وسيكون للشواهد فيها نصيب الأسد. وهنا أذكّر القارئ بأنّ مؤلفاتي وإن اعتمدت فيها المنحى السردي، فإنها في أدق تفاصيلها تستند إلى ما ذكر في كتب التراث الإسلامي من تفاسير وسير وتراجم.

تحدثت عن صدور الجزء الثالث والأخير من سلسلة «الخلفاء ولعنة فاطمة»، هلا أطلعتنا على محتواه؟
- يحمل الجزء الأخير من السلسلة عنوان «جريمة في المسجد» وهو عبارة عن تحقيق شبه بوليسي في ملابسات اغتيال عمر بن الخطاب. الأمر المتعارف عليه هو أنّ الخليفة الثاني طعن من قبل عبد فارسي اسمه فيروز وكنيته أبو لؤلؤة. يقول مؤلفو السنّة إنّ هذا الجاني انتحر مباشرةً بعد اقترافه الجريمة في حين أنّ الشيعة يقولون إنّه تمكن من الهرب وذهب إلى إيران واستقر في مدينة قاشان حيث شيّد له الشيعة مقاماً لتكريمه، وهذا المقام ما زال إلى اليوم محلّ خصومة بين السنة والشيعة. في الحقيقة، لاحظت أنّ التضارب في روايتي السنة والشيعة بخصوص اغتيال عمر، ليس إلا تفصيلاً بسيطاً من جملة تفاصيل ووقائع مريبة تحوم حول هذا الاغتيال الذي غيّر التاريخ.
قرأت بتمعّن ما يقوله مؤلفو كتب التراث الإسلامي ووصلت إلى الاستنتاج التالي هو أنّ اغتيال عمر لم يكن نتيجة مبادرة شخصية من «ذئب منفرد»، بل هو نتاج مؤامرة حقيقية حاكها بعض الصحابة للتخلّص من بن الخطاب. ولم يكن أبو لؤلؤة إلا اليد التي نفذت. فنحن مع مقتل عمر أمام اغتيال سياسي بامتياز شبيه بمقتل ملك فرنسا هنري الرابع أو مقتل الرئيس الأميركي كينيدي. وقد نسبت الجريمة لشخص نكرة وقع بسرعة التخلص منه لكي يصمت إلى الأبد. لكن في الحقيقة الاغتيال مدبّر من شخصيات نافذة تطمح إلى تغيير سياسي جذري تحفظ به مصالحها. والطريف في الأمر أنّ كتب التراث الإسلامي تلمح في عديد المواضع إلى وجود هذه المؤامرة، وتضع بطريقة غير مباشرة بعض كبار الصحابة في قفص الاتهام. لن أقول أكثر من هذا، وأترك للقارئ تقييم ما اعتمدته من فرضيات وما وصلت إليه من استنتاجات. وقد روت كتب التراث أن عمر بن الخطاب وهو يحتضر ألقى على بعض الصحابة السؤال التالي: «عن ملأ منكم ومشورة، كان هذا الذي أصابني؟». بعد أربعة عشر قرناً، حاولت الإجابة على سؤال عمر بن الخطاب!



وقائع معركة مع هشام جعيط
لم يردّ الدكتور هشام جعيط على غيره من المؤرّخين التونسيّين ولا من الباحثين الذين تخصّصوا في فترة الإسلام المبكر وغالبيّتهم من طلّابه، كما ردّ على الدكتورة هالة الوردي في مقال أثار الكثير من الجدل، اعتبر فيه أنّ كتب الوردي لا علاقة لها بالتاريخ بل هي سرديّات أقرب إلى فن الرواية واتّهم روايتها عن وفاة الرسول محمد والخلفاء الراشدين المقتولين بأنّها وقائع متخيّلة. وقال إنّه لا يستطيع أن ينزل إلى هذا المستوى من الجدل على حدّ تعبيره. في المقابل، ردّت الوردي في مقال شهير قالت فيه لجعيط: «لا تنزل أنا صاعدة إليك». وكانت الوردي أوّل باحثة «تتجرّأ» على جعيط المحاط بهالة من القداسة الأكاديميّة، مؤكّدةً أنّ كلّ ما أوردته هو تحليل لوقائع ذكرتها مصادر التاريخ مثل الطبري وابن كثير وغيرهما. واعتبر بعض الأكاديميّين والمثقّفين أنّ ردّ هشام جعيط كان بدافع كسر هالة الوردي القادمة من مجال آخر وهو الأدب والحضارة الفرنسية لمجال اعتبره جعيط بأنّه خاص بمدرّسي التاريخ والحضارة فقط، خصوصاً أنّ الوردي هي الوحيدة التي لم تتخرّج من أيّ من أقسام المجالات الأساسية لدراسة التاريخ العربي والإسلامي، وتحديداً المبكر منه، الذي تخصّص فيه التونسيون.