وُلد خوان كارلوس دي سانشو في لاس بالماس في جزر الكناري في إسبانيا عام 1956. شاعر وقاص ورسام. من مؤسّسي مجلة «بوينتي بالو» الأدبية والفنية منذ عام 1980 حتى اليوم. من أكثر الناشطين بالتعريف بآداب جزر الكناري في إسبانيا وأميركا اللاتينية. عضو شرف الأكاديمية الدولية في المكسيك لشؤون الثقافة والعلوم الإنسانية والفنون. من بين منشوراته في الشعر والنّقد والقصة: «حفل الصحراء» (1986)، «قطار الأبدية» (2007)، «بيت الحلزون» (2013)، «الفردوس الأرضي» (2014)، «قاموس القرد المقروء» (2015)، والكتاب القصصي الذي نترجم منه ونقدّمه هنا: «الجزيرة القبعة» (2016). فهو وريث عوالم هائلة ومدهشة بدءاً بـ«ألف ليلة وليلة» مروراً بـ«ثربانتس» وصولاً إلى بورخس، من دون أن يغفل إعجابه وتأثّره بالحكايات التراثيّة الإسبانية المعروفة وقصص الحكمة والألغاز في القرون الماضية. لكنه يبقى من أشدّ أنصار القصة المتضمّنة نوعاً من الفلسفة الحياتيّة، الفلسفة التي تنط من متون الكتب المحفوظة لتُقيم علاقة ديناميكية مع الحياة نفسها من دون تنقيص أو إسفاف أو سفسطة. على الرغم من أن الكاتب يصفها في كل الأحوال بمثابة القصة ـ الضربة، فهي قبل هذا وذاك قصص وحكايات لا تبتعد عن الواقعية والواقعية الحادّة الشاملة. هي قصص الحضور الأبدي لشخصيّاته الأدبية من كتاب معروفين وشخصيات أسطورية وخيالية. قصص قراءة واقتراب من عوالمه في الطفولة وحتى الكهولة. لهذا لن يخرج القارئ من هذا الكتاب إلا وقد تعرّف إلى عشرات الأسماء والكتب والمواقف والإغراءات الحياتيّة المتجدّدة
ركن من متحف الـ parado في مدريد

ترجمة عبد الهادي سعدون

1. جزيرة ترابيسوندا

أعيش في جزيرة. في المرة الأولى التي وصلت إليها، ظننت أنها سلحفاة عملاقة أو حوت ضخم. مع مرور الوقت، تمكّنت من التحقّق من أنني كنت على جزيرة متنقّلة وأنني كنت السّاكن الوحيد فيها. منذ ذلك الحين، سافرنا في كل مكان معاً. على الرغم من اسمها، فهي بعيدة كل البعد عن أي مكيدة أو مؤامرة أو مواجهة. بالطبع، لقد أطلقت عليها اسم ترابيسوندا بسبب صراعاتها المستمرة مع أمواج تسونامي والأعاصير. لم يستطع أحد الانتصار عليها أبداً.
لا أحد يأتي إلى هذه الجزيرة لأنها تتحرّك دائماً. على الرغم من أنني أنا من يُديرها، إلّا أنّها تبحر بحرية كاملة تتبع طريقاً أصليّاً. في يوم من الأيام، يمكنك العثور عليها قبالة ساحل ليبيريا وفي غضون شهرين، ستجدها أمام أشجار الباوباب العملاقة والساحرة في المناطق الداخلية من السنغال. أرض داخلية مخضرّة مع جبال المنطقة بينما في القرى البعيدة يخبرونه بأمور غامضة ومربكة لا يجرؤ أحد على الاستماع إليها.
إنها ليست هنا ولا هناك.
ذات يوم، بحركة حمقاء منّي تقابلت وجهاً لوجه بهذه الجزيرة، ومنذ ذلك الحين بدأت باكتساب وقت لا مثيل له.

2. أنباء محيّرة

حصل في عام 1513 كحالة حديثة للعالم عندما وصل رافائيل سانزيو في حالة ذهول وتقلّب في المزاج إلى ورشة أوربينو. أضاف مساعدوه ملاكَين صغيرين إلى عذراء الشمعدان بدون موافقته. عند الدخول، جلدوه بالخبر: «في يونيو من عام 2012 سنعرض معاً في متحف برادو ومن ثم لن يفكّر أحد في وضع أسمائنا على اللوحات الإعلانية». يخبرهم رافائيل أنه على الرغم من الانتظار حوالى ستمائة عام لرؤية المختارات، فإنه يعتبرها حماقة كبيرة لا داعي للتفكير والقلق من أجلها.
«يا معلّم»، يوبّخونه بسخرية، «لتنتهي من التعديلات الأخيرة التي تسلّي بها الملائكة بأدق التفاصيل». ينظر رافائيل بازدراء إلى الملاكين ويسلّي نفسه بحثاً عن أي تشابه بينهما في وجهي معاونيه.
يصر جوليو رومانو: «على الرغم من أن التاريخ سيعلّق في المستقبل على وجود علاقة أبوية، إلا أنه سيقول إنني مارست أسلوباً بلاغياً ومشتّتاً أكثر من أسلوبك. ومع ذلك في القرن الحادي والعشرين، سيزور المعرض كائن متنوّر يميز بين الأعمال المعروضة للفنان الأصيل».
يدور رافائيل في مكانه برأس مطأطئ، فهو لا يفهم رد الفعل المتمرّد لتلميذه المفضل. «لقد رسمتُ صورة جوليو - يعلق منزعجاً -باقتراب أكبر من نهج الموضوع والتشكيل، لا أفهم لماذا تتفاعل الآن بهذه الطريقة». يتأمّل جوليو الأمر بإعجاب ولكن دون أن يكون قادراً على إخفاء استياء قديم: «لا تنسَ رافائيل أن القائمة النهائية ومعالجة الضوء واللّون ملك لي. لقد رسمتُ الهواء، والفراغ الذي بقي داخل الرسم وخارجه».
لم يتوقّف رافائيل أبداً عن الإعجاب بفن جوليو، لكنّه أوضح له: «عدم التوازن هو سمة من سمات أسلوبك». يهز جوليو كتفيه ويرفض الاستسلام: «عدم التوازن ـ يجيبه بغضب ـ هو ما تشعر به وتجرّبه حقاً. أخيراً، هذا هو ما يُعطي العمل وحدة موضوعية. عليك أن تترك شيئاً مفقوداً على القماش».
الأوراق الصفراء تسقط في خريف أوربينو المستهلك. تتأرجح متانة الحياة الداخلية في ورشة عصر النهضة. يعتقد جوليو أن الوجود كله متناقض ولا يولد أي عمل دون تأثير الآخرين. يتابع رافائيل بمؤشّره ظل الطيف الذي سافر إليه، الجودة البشرية لأفضل مساعد له. بعد ستمائة عام، لن يتمكّن أي منهما من تأكيد من سيكون الفنان الذي تم اختياره لتمثيل عصر النهضة الجديد. يمكن أن يكون جوليو رومانو، بعد قراءة هذه القصة، يستعيد مروره الهادئ والواثق عبر صالات «متحف برادو».

(*) قصّتان من مجموعة «الجزيرة القبعة» الصّادرة حديثاً عن «دار الرافدين»، بيروت.