
(عن pinterest)
هكذا يحاصرنا صاحب «المحاكمة» في متوالياته القصصية وشخصياته القلقة والسوداوية، تلك التي تحارب ضد قوةٍ طاغيةٍ، من دون أن تنتصر عليها. 13 حالة قصصية في تشريح الخرافة البشرية، وأسباب الضيق، وندرة الأوكسيجين. ستصادفنا مفردات تنطوي على اختناق من نوعٍ ما، مثل «دهليز»، و«ممر مغلق»، و«كوة علويّة»، و«خندق»، و«جرف»، و«قفص». لكن هذه المناخات العجائبية لم تمنع هرمان هيسه من وصفها بالشاعرية المشبعة بالأحلام والمتاعب والرؤى الضبابية، فيما قال عنه مواطنه التشيكي ميلان كونديرا: «اجتاز كافكا حدود عدم مشابهة الواقع، وبقي بلا شرطة، وبلا جمرك، مفتوحاً إلى الأبد».
سنجد هنا بعض القصص المبتورة، كأنّ صاحبها قد ضجر من إكمالها، لكننا، في المقابل، سنقع على تفسير لهذا الاضطراب على لسان كافكا نفسه بقوله إنه «أشبه برجل لديه منزل خرب، مصنوع من ذكرياته، فراح يستخدم ذلك المنزل من أجل أخذ بعض المواد الأوليّة لبناء منزل آخر، إلا أن قواه خانته في منتصف عمله بحيث وجد أمامه بيتاً نصف مهدّم وبيتاً آخر غير مكتمل». نقرأ كافكا، كما لو أنه واحد منّا، ينطق بما لم ندوّنه عن القهر التاريخي وتفاهة العالم بأقصى حالات اليأس والسوداوية والاغتراب، ذاهباً إلى نهايات مفزعة لشخصيات قصصه، قبل أن يوصي صديقه ماكس برود بحرق آثاره الأدبية، إلا أن وصيته لم تُنفذ. كم نحتاج إلى عزلة كافكا كي نتأمل ما يعتمل في الداخل، وأن نفحص ذواتنا القلقة المرتابة في مواجهة أحكام «مستعمرة العقوبات»، ونردّد معه: «على الكتاب أن يكون الفأس التي تكسر البحر المتجمّد فينا». هذه المؤونة من الكوابيس، تحتاج حتماً إلى كافكا آخر!
اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا