1. الملعقة الأخيرةعلى عتبةِ المطبخ
تشذّبُ أمّي نحولي
أهربُ من أوّل ملعقة
تجرُّ شهيّتي بقصّتها
يطالعُني أبو الفضل العبّاس
بقربةِ ماءٍ مثقوبة
كسلّة فراولة
بِلا ذراعين
يمسكُها بثناياه
وعمودِ كهرباءٍ رماديّ
يضربُ رأسَه
الملعقةُ الأخيرة
غصّتي الأولى

شفيق عبود ــــ بلا عنوان (زيت على قماش، 1971).


2. ساڤانا اليباس
تمساحُ اللّهفة
بأسنانِ الشوق
يعضُّ تين الفؤاد
تذْرِفُ سهولُ الوحدة
دموعاً كقطيعٍ من الفِيَلة!

ذاكرةٌ مُقلّمة
كحمارٍ وحشيّ
تحاولُ استعادةَ نُضْجها
ريثما تجفّفين
بحيرةَ الضَّياع
وأنتِ عائدة
إلى ساڤانا يباسي

3. كسّارةُ جوز
مسطرةُ الوجود
تضربُ راحةَ العدم
تضحكُ مريم
في يدها
فتّاحة عُلَب
وفي الثانية
شرائحُ أناناسٍ مقطّعة
الحزن أيضاً
كسّارةُ جوز
حتماً
سنُتخَمُ يوماً
من هذا الضّحك!

4. توتٌ أزرق
لو أنّي
كما التّوت الأزرق
أجيدُ تفسير
منامات الله
كزهرةٍ
تفقِدُ ذاكرتها ببطء
أشحنُ السماء بمصيدتي
أجبِلُ نحلةً
لسماء الغولف الفضّيّة
مُنتظراً
هبوطَ ريشةٍ
بجودة عالية

5. جلّاب الصنوبر
في عيدِ الكعك
احترقت فطيرةُ التفّاح
أنا وإخوتي
نتهامس
تحتَ الغطاء النّيلي
وأمّي من فوقِنا
تسكبُ جلّاب الصنوبر
وأبي
كان مَعَنا
يقشّرُ هواجسَنا
تحتَ الكساء!

6. نبيذُ كفِّ أمّي
كلّما
ذبُلَت روحي
أشكُّها
وردةً بلاستيكيّة
في كفِّ أمّي
فأرى الله
يدقُّ بتلاتها
نبيذاً
يعمّد به ساقَ عرشِه!

7. شتلةُ كرفس
ليتني
شتلةُ كرفس
في حاكورة عزرائيل
يعتنيها
يُقبّلُ أوراقها بشغف
فلا يقبض روحها
كي لا يتوجّسَ
مِقصُّ نَصْبِ أشواقِه

8. قلمُ سراب
سنجابٌ أزرق
يفتّش
عن كعكةِ الزنجبيل
في علبةِ التّلوين..
العلبةُ فارغة
سوى من قلمِ سراب!

9. وَبرٌ
ما زلنا أنقياء
لكنّ الدرّاق
تلَحَّفَ بالشَّوك
يبقى الشَّوكُ وبراً
يا مريم!

10. سلالُ الكرز
غداً
يتفحّمُ كبدُ إسماعيل
يفرِكُ اللهُ وجنتيه
بغلافِ الأرض
لتملأ هاجرُ سلالَ الكرز!

11. ومضةٌ
لو أنَّ قامتي
أطولُ من سريرِ الأحلام
لاجتزتُ هذه الصحراء
بومضة!

12. شوقٌ
حتّى المنديل
لم يستوعبْ هذا الغياب
ما زال يُلوّحُ بي!

13. دمعةٌ عالقة
الذين لا يَنْسوننا، ولا ننساهم!
الذين يهاجرون الحياةَ إلى أجملِها... و يعودون ليلاً، من خلف كواليس الرؤى، على براقٍ ملكوتيٍّ، ليراشقوا شبابيك الأحلام، بوداعتهم المسيّلة للحبور... يبتسمون كحُبابِ فجرٍ، يختزلُ عبق الأوركيد، والخزامى... فنستيقظُ وبين الأهداب دمعةٌ عالقة!
الذين يراسلون الروح بسطور وجودهم العصيِّ على الغياب، ضحكاتُهم أجنحةُ فراشاتٍ تُزاوِلُ الرّفيفَ في مشكاةِ القلوب... كلّما دَثّرتها أمواجُ الوداعِ، تتجذّرُ في غياهب الحضور أكثر!
الذين لا يزالون بيننا... يقاسموننا خبزَ الصَّلاة، وقشعريرةَ الدُّعاء.
دفء هالاتهم، سَمَر الشتاء!

14. عود المردقوش
لو أنَّ الزهراءَ بيننا، نحتفلُ برفقتها في عيدِها، تنظرُ الفقراءَ من كوّةِ عرش الله، تمدُّ كفّيها لراحات البؤساء الباردة، تترك فيها سنابلَ أشِعّتها... تتركُ قربَ طراريحِ أطفالهم دمىً، وكميوناً، وجرافةً، وبعضَ أكياس الملبّس!
لو أنّ الزهراءَ بيننا، نحتفلُ معها في عيدِ ميلادِها، تسقينا كأطفالِها من كوثر دمعِها صلاةً، ذكراً تتعفّر به الثغورُ عند الشدائد، نقطِف معها من الحواكير تبولةً شهيةً كمائدة عليّ...
وفي المساء نَهِبُ قالب الحلوى لمسكينٍ يطرق بابها، يرجو التبرّك بعود مردقوشٍ من قرآنها، كلّما تيبّس... تضوَّع من حفيفه اسمُ الله الأعظم!

15. مطلعُ الغَمْرِ
حينما تعشقُ الشمسُ، يُسقِطُ الخريفُ أهدابها؛ تترمَّد، تخبو، تستمِدُّ من المُحَاقِ كفنَ قلبِها؛ تدور على هوى عُبّاد الشمس، تستسلمُ لرقصتِه، تتلوّى وتلوي عنقها، تكسِر رقبتها طوعاً؛ ترقّقُ عظامها، ترتخي كدود القزّ، حتى ترضى عنها بتلاتُ الحقول! تألفُ البرد؛ ندنو منها بعيونٍ واسعةٍ، وأنامل بحرقٍ من الدرجة الثالثة، كي نغرزها بين مكعّبات الثلج!
يا شمسُ، كيف نارُ الحب تجنّ، تتعرّى، تنافِرُ ذاتها، تنقلِبُ برداً، برداً بلا سلامٍ.
لا سلامَ حتى مطلع الغَمْر!

* قصائد من ديوان بالعنوان نفسه صدر حديثاً عن «منشورات رواة»، بيروت.
** لبنان

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا