بعد كل هذه الحروب التي التي تجتاح مناطقنا وأوطاننا، صرنا نعرف هذه المشكلة: من السهل على البعض اتهام آخرين بالتسبب في مشاكل البلاد: في الأردن وسوريا ولبنان وليبيا والعراق واليمن والبحرين... التهم جاهزة دوماً وكذلك كبش الفداء: الشيوعيون، البعثيون، الفلسطينيون، السوريون، العراقيون، إيران، حزب الله، الشيعة العلويون... هذا نراه في العلاقات الدولية أيضاً: الاتحاد السوفياتي، كوبا، الصين، كوريا الشمالية، المسلمون.... هدف إلقاء اللوم على الغير بدلاً من النظر في المرآة هو توجيه النظرة الناقدة بعيداً من المسؤولين عما تعانيه أوطاننا. فالنخب السياسية جاهزة دوماً لتلقف تلك الاتهامات واستثمارها، دوماً وفق الكاتبة الأميركية د آن ماري بيلوني الباحثة في «كلية الخرّيجين البحرية» الملحقة بالبحرية الأميركية، ما يعني أن بحثها «حين يؤدي اللوم إلى نتائج عكسية: اللاجئون السوريون ومظالم المواطنين في لبنان والأردن» يخدم أجندة الجهة التي تعمل معها إما مباشرة وإما بطريقة غير مباشرة. مع ذلك ما يهمنا هنا محتوى المؤلف.

درست الكاتبة آثار استضافة أعداد ضخمة من اللاجئين السوريين في الأردن ولبنان، وكذلك رد فعل السكان تجاه الآثار السلبية الحقيقية والمتخيلة للاجئين. يحوي المؤلف أمثلة عديدة من لبنان والأردن على استياء السكان في البلدين من ضغط الهجرة الجماعية التي قادت إلى تفاقم الأزمات هناك، وليس التسبب فيها. تعطي الكاتبة أمثلة عن كيفية تلقي النخب السياسية في الدولتين استياء السكان من تأثر الأوضاع المستجدة والتغيرات السكانية/ الديموغرافية ومحاولات النخب السياسية استغلال «رهاب الأجانب» هذا لمكاسب آنية.
إن إلقاء اللوم على الآخرين سياسة مربحة في كثير من الأحيان؛ (انظروا إلى ميانمار وأنغولا التي حظّرت الدين الإسلامي وبنغلاديش وغيرها من الأمثلة – ز م)، لكن الكاتبة تكشف أن إلقاء المسؤولين والسكان المتضررين في لبنان والأردن اللوم على السوريين، أدى إلى نتائج عكسية. فبدلاً من أن يصبح هؤلاء محط غضب بعض المواطنين، انتهى الأمر إلى إلقاء اللوم على السلطات في كلا البلدين. فالسكان المتضررون من تدفق المهاجرين والمهجّرين، أدركوا أن العديد من المشاكل التي يتم ربطها بهؤلاء هي في الواقع قائمة في حياتهم. فأزمة اللاجئين أدت إلى تفاقم الوضع المتردي بالفعل وليس خلقه، وبدأ الأردنيون واللبنانيون في الاحتجاج ليس فقط على وجود اللاجئين، لكن أيضاً على عدم كفاءة حكوماتهم وفسادها، دوماً وفق الكاتبة التي تضيف: «إن التحول الحاسم من لوم اللاجئين فقط إلى لوم الحكومات والمسؤولين والطبقة الحاكمة سببه تردي أوضاع الخدمات في البلدين نتيجة مباشرة لوصول اللاجئين السوريين». بل إنها تقول: «يمتلك البلدان تاريخاً طويلاً من سوء توظيف المهاجرين والأقليات وانقسامات الهوية المحلية أكباش فداء سياسية، كما منعت سياسة «فرّق تسدْ» المواطنين الذين لا يتفقون مع الحكومات من توحيد صفوفهم هناك».
ألقى السياسيون والإعلام اللوم على اللاجئين السوريين في كل أنواع المشكلات


وتحدثت الكاتبة عن الأمور التي يثيرها مؤلفها وتساءلت: كيف سيتأقلم البلدان مع هذا الوضع؟ كيف ستتغير الدينامية السياسية، وفهم السياسة بالمعنى الواسع الذي يشمل الحياة الاجتماعية والاقتصادية؟ هل سيتبدل الإحساس بالهوية إزاء السكان الأجانب الجدد؟ كيف ستتفاعل السياسات النيوليبرالية لهذين البلدين مع مطالب جديدة بالسلع العامة والبنية التحتية؟ هل ستتمكن الحكومتان من تحويل اللوم الذي يقع عليهما بسبب المعاناة الاقتصادية إلى طرف آخر؟
إن اللوم هو سياسي بشكل مكثف واستُخدم غالباً لحرف الانتباه عن المشكلات الرئيسة أو لتبرئة النخب من المسؤولية وإفلاتها من الرقابة والعقاب. ويمكن أن يعني العجز عن تحديد اللوم أنه لا يوجد احتجاج مطلقاً في ظل غياب أحد لاستهدافه للقيام بالتغيير. وفي الحالتين اللتين لدينا، ألقى السياسيون والإعلام اللوم على اللاجئين السوريين في كل أنواع المشكلات، ومعظمها سابقة لتدفقهم المتزايد إلى البلدين.
عرضت الكاتبة آراءَها وتحليلاتها العملية في خمسة فصول تأتي بعد المقدمة «كبش محرقة أم حلول؟» وهي: قبل الأزمة السورية؛ أدخِلوا السوريين؛ من إخوة محتاجين إلى غزاة؛ التظلمات ضد الحوكمة، دفعوا نحو الحافة. ينتهي الكتاب بملخص لاستنتاجات الكاتبة: «اللاجئون وتغيير العلاقات بين الدولة والمواطنين».

* When Blame Backfires: Syrian Refugees and Citizen Grievances in Jordan and Lebanon. Cornell University Press 2020. Extent: 264 pages. Anne Marie Baylouny

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا