هذه المادة تحمل اقتراحاً مختلفاً، بل وربما يبدو غريباً، لحل اسم لغز اسم «الهكسوس»، الذين غزوا مصر وحكموها لمئة سنة حسب المؤرخين الحاليين، ولعدة مئات من السنين كما تقول بعض المصادر القديمة. وأهمية حلّ لغز الاسم تنبع من أنه ربما ساعد على فتح الباب لفهم أصل الهكسوس، والتعرف إلى المنطقة التي أتوا منها.وقد بدأ الجدل حول معنى هذا الاسم منذ القرن الأول الميلادي على الأقل، واستطال حتى الآن. ويخبرنا المختصّون باللغة المصرية القديمة أن القدماء لم يفهموا معنى الاسم الذي هو جملة مصرية تعني «حكام البلاد الأجنبية».



ولدينا في قبر «خنومحوتب الثاني» (حوالى 1900 ق.م) في «بني حسن» نموذج تقليدي لكتابة اسم الهكسوس. وخنومحوتب هذا كان مسؤولاً عن الصحراء الشرقية في مصر. وكما نرى في الصورة أعلاه، فهناك كتابة فوق رأس التيس الجبلي، وكتابة أمامه. الكتابة فوق الرأس تُقرأ حسب المختصين: «حقا خاسوت»



العلامة اليمنى، أي العصا المعقوفة، تقرأ حسب علماء المصريات: حقا. وهي كلمة مصرية تعني: ملك، عاهل. العلامة الثانية، والتي تشبه مثلثاً، مع العلامة الثالثة التي تشبه ثلاثة تلال، تُقرآن معاً (خاسوت) وتعني: بلد أجنبي. أما الكتابة في الأسفل، فقد قُرئت «أبيشا». وهو اسم الشخص الذي يمسك بالظبي.



عليه، فالنص كله يقول: «أبيشا الحاكم الأجنبي». وحين توضع علامة الجمع، وهي ثلاثة خطوط عمودية صغيرة، مع جملة «حقاخاسوت»، فإن الجملة ستعني مع «حكام البلاد الأجنبية». هذا ما يقوله لنا المختصون. أما في الماضي فلم يكن الاسم يُفهم هكذا. فتبعاً لما نقله لنا يوسيفوس عن مانيثو، فإنّ الاسم يعني «الملوك الرعاة». ومانيثو كاهن مصري عاش في زمن البطالمة في القرن الثالث قبل الميلاد، وألف كتاباً باليونانية عن تاريخ مصر يُدعى «إيجيبتوليكا» قال إنه أخذ مواده من الأرشيفات المصرية الدينية. هذا الكتاب فُقد للأسف، لكن وصلتنا منه فقرات عند عدد من كتّاب تلك الفترة، أهمّ الفقرات وأطولها التي وردت في كتاب يوسيفوس المؤرخ اليهودي الفلسطيني (آثار اليهود القديمة، ضد آبيون). هذا الفقرات وردت في سياق مواجهة بين يوسيفوس وبين آبيون المصري. وحسب يوسيفوس، فإن مانيثو يقول:
«وكان جنس هؤلاء القوم يعرف باسم الهكسوس، وهي تسمية تعني: «الملوك الرعاة»، ذلك أن كلمة «هيك» في اللغة المقدسة تعني: «ملك». أما كلمة «سوس» فتعني في اللغة العامة: «راعي» أو «رعاة». وهكذا فإنه عن طريق جمع هاتين الكلمتين، نتجت كلمة «هكسوس». ويذهب البعض في قولهم إلى أن هؤلاء «القوم» من العرب (آثار اليهود القديمة، ضد آبيون، ترجمة، الجزء الأول والثاني، ترجمة محمد حمدي إبراهيم، منتدى سور الأزبكية، ص40).
يضيف مانيثو حسب يوسيفوس: «إن هؤلاء الملوك الذين ذكرت أسماءهم أعلاه، والذين يُعرفون باسم «الرعاة»، وكذلك ذريتهم من بعدهم، ظلوا يحكمون مصر مدة مقدارها خمسمائة وإحدى عشرة سنة» (المصدر السابق، ص 44). لكن يوسيفوس كان ميالاً إلى أن يفهم أن الاسم، وتبعاً لمانيثو أيضاً كما يزعم، على أنه يعني: الملوك الأسرى: «وفي جزء آخر من هذا الكتاب، نجد أن كلمة «هك» لا تعني «الملوك» في دلالتها، بل على العكس تعني أن الرعاة كانوا أسرى: ذلك أن كلمة «هك» في اللغة المصرية القديمة من ناحية أخرى- وكذلك كلمة «هاك» التي تبدأ بحرف الهاء تعني بجلاء «أسرى». وفيما يبدو لي، فإن هذا التفسير هو الأقرب هو الأكثر احتمالاً والأقرب ارتباطاً بالتاريخ القديم» (المصدر ذاته، ص 44)
وحكاية «الأسرى» مكّنت يوسيفوس من ربط الهكسوس بقصة التوراة حول خروج بني إسرائيل من مصر بقيادة موسى. فبنو إسرائيل حسب التوراة كانوا محتجزين عند فرعون في مصر. بالتالي، فالهكسوس هم بنو إسرائيل القدماء. ويبدو لي أن آبيون المصري الذي كان معادياً لليهود هو من اخترع فكرة الربط بين بني إسرائيل والهكسوس كي يلطّخ سمعة اليهود الفلسطينيين. فالهكسوس عند المصريين برابرة متوحشون دمروا مصر وثقافتها، وربطهم باليهود الفلسطينيين يعني أنهم مثلهم متوحشون وأعداء لمصر. غير أنه لا يمكن استبعاد أن يكون يوسيفوس هو من اخترع الفكرة. على كلّ حال، فقد أمسك يوسيفوس بتهمة آبيون وحوّلها إلى نقطة لصالحه. لقد قبل بالتهمة كي يقول: إذن، فأجدادي الهكسوس في فلسطين احتلّوا مصر لمدة 511 سنة، وكانوا سادتها. بذا فأنا وقومي لسنا من ضيعة صغيرة قليلة.
بناء عليه، يمكن للمرء أن يتجاهل حكاية «الملوك الأسرى» باعتبارها نتيجة الصراع الثقافي المصري- الفلسطيني في تلك الأيام. بذا، يتبقى لنا من مانيثو الاقتراح الأول، وهو أن اسم الهكسوس يعني «الملوك الرعاة». لكن المشكلة تكمن في أن هذا الاشتقاق ليس متلائماً نهائياً مع قراءة علماء المصريات (حقاخاسوت). فليس في الصيغة المصرية أي وجود لـ «سوس» التي تعني: رعاة. بذا يبدو لنا أن هذا الاشتقاق يبدو مستنداً إلى الصيغة اليونانية المختصرة والمحرفة: هكسوس Hyksos. وإن كان هذا الاشتقاق آتياً من مانيثو حقاً، فهو دليل على أن الرجل كان مثلنا يجهل معنى الاسم، وأنه كان يلفق اشتقاقاً زائفاً لليونانيين استناداً إلى لفظ الاسم في لغتهم. واختراع اشتقاق من الصيغة اليونانية ليس غريباً. فقد حاول أناس كثيرون في العصر الحديث، أولهم لويس عوض في ما أظن، أن ينطلق من الصيغة اليونانية (هكسوس) ليفترض أن اسم «الهكسوس» آت من اسم «الحجاز». بذا فالهكسوس حجازيون.
لكن من المحتمل أن مانيثو غير مسؤول عن هذا الاشتقاق، وأنه ألصق به إلصاقاً. فالرجل كاهن مصري، ومن الصعب أن يكون جاهلاً بلغة قومه، اللغة المصرية القديمة. وانطلاقاً من هذه الفرضية، أود أن أحتفظ بما قاله مانيثو عن «الرعاة» وأن أرمي ببقية اشتقاقه المزعوم. أي أريد أن أوافق على أن اسم هؤلاء القوم يعني أن الهكسوس رعاة بشكل ما: «هؤلاء الملوك الذين ذكرت أسماءهم أعلاه، والذين يُعرفون باسم الرعاة».
وفرضيتي تقول إن أصل هذا الاسم، الذي يعني الرعاة، ليس كلمة مصرية في الأصل، بل كلمة هكسوسية، وأن قراءته على أنه مصري هو الذي ضللنا عن فهمه، وبالتالي أقفل الطريق أمامنا للكشف عن أصلهم.
وآخذاً في الاعتبار أن أحد المقترحات الرئيسية حول أصل الهكسوس أنهم عرب حسب مانيثو: «ويذهب البعض في قولهم إلى أن هؤلاء «القوم» من العرب»، فإن فرضيتي تقوم على أن الهكسوس قوم من شمال الجزيرة العربية، أي إنهم بشكل ما عرب، بالتالي، فكلمة «حقاخاسوت» في الأصل كلمة من شمال الجزيرة العربية، أو قل كلمة من العربية القديمة، وأنها لذلك يجب أن تُفهم استناداً للقواميس العربية، لا القاموس الهيروغليفي.

حوكشية
واقتراحي المحدد هو أن الكلمة الأصلية هي «حوكشية» وأنها تعني في الأساس: رعاة الإبل. فالقواميس العربية تخبرنا أن «حوكش» اسم جمل أسطوري يُنسب إليه طراز من الإبل يدعى بالحوكشية: «حَوْكَش: رجل من مَهْرَةَ، تُنسب إليه الإِبل الحَوْكَشِيَّة» (لسان العرب). يزيد الزبيدي: «الحَكْشُ أهمله الجوهري. وقال ابن دريد: هو الجمع والتقبض. ويقال: رجل حكش عكش ككتف: ملتو على خصمه. ومنه حوكش كجوهر: اسم رجل من مهرة تنسب إليه الإبل الحَوْكَشِيَّةُ قال: والواو زَائِدَة» (تاج العروس).
إذن، فلدينا رجل من قبيلة مهرة اسمه «حوكش» يُنسب إليه طراز محدد من الإبل يدعى: الحوكشية. هذا كل ما نعرفه عن الحوكشية. ذلك أن الاسم مغرقٌ في القدم في ما يبدو، ولم يبقَ سوى هذه البقايا من ذكره. ومن المحتمل أن حوكش المهري في الأصل كائن إلهي تمثله الإبل. أي أنه طراز ما من إله- جمل ما نسبت إليه الإبل الحوكشية.
ومن كلمة «حوكشية» جاءتنا كلمة «حقاخسوت» في اعتقادي. أي أن حقاخاسوت تحريف مصري فرعوني لكلمة «حوكشية»، التي انتهى اليونان إلى تحريفها لتصبح هكسوس Hyksos. بالتالي، فحين يقول المصريون «حقاخاسوت»، فهم يعنون الحوكشية، أي الذين يملكون الجمال الحوكشية ويرعونها. عليه، فالكلمة كانت تعني: الجّمالة، أو رعاة الجمال. إذن، فـ:
- «حوكَ»، وبالمدّ «حوكا»: تحولت إلى «حقا» عند المصريين،
ليبدو كما لو أن الاسم يبدأ بكلمة مصرية تعني: ملوك، حكام.
- «كشيّة» تحولت إلى «خاسوت».
وإذا أخذنا في الاعتبار أن الحركات، أي حروف العلة القصيرة، لا تظهر عادة في الكتابة الهيروغليفية، لأمكننا الافتراض مثلاً أن «خاسوت» يمكن أن تقرأ خاسيت أي «خسية». وهذا قريب جداً من «كسيّة».
وهذا كله يعني أنه جرى تحويل كلمة مفردة من شمال الجزيرة العربية إلى جملة مصرية. وإذا صح هذا، فإن علماء المصريات الحديثين لم يُظهروا تفوقاً على القدماء بشأن اسم الهكسوس.
أخيراً، وبناء على ذلك، يمكن فهم اسم الشخص الهكسوسي في قبر خنومحوتب. فهو من الجذر: أبش العربي. وهذا الجذر يعطي معنى الجمع والكسب: «الأَبْش: الجمْع. وقد أَبشه وأَبَشَ لأَهله يَأْبش أَبْشاً: كَسَب. ورجل أَبَّاش: مكتسِب ويقال: تَأَبَّش القوم وتَهَبَّشوا إِذا تجيَّشوا وتجمَّعوا» (لسان العرب). بذا فأغلب الظن أن اسمه يجب أن يقرأ «آبش»، أو «أبيش» بالتصغير، وبمعنى الجامع أو الكاسب، والكسب هو طلب المال وجمعه على وجه الخصوص. بناء عليه فالرجل يدعى «أبيشا الحوكشية»، أي أبيشا الذي ينتمي إلى القوم الحوكشية، أي رعاة افبل الحوكشية. وهذا يعني أن الاسم (حوكشية) قد تحول في تلك المنطقة إلى اسم جنس للعرب القدماء.
هذا هو الاقتراح الذي أتقدم به للنقاش. وهو، بالطبع، اقتراح قادم من شخص من خارج الحقل، حقل المصرية القديمة.

* شاعر فلسطيني

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا