«تكمن أعظم مخاوفي في الشعور المفاجئ بأن تكريس وقت طويل من حياتي للكتابة قد يكون بلا معنى». هذا ما قالته الكاتبة الإيطالية المجهولة الهوية إلينا فيرانتي في مقابلة قبل عامين عن حيرة الكتابة ولايقينيّتها. خوف قد لا ينافسه بالنسبة إلى الكاتبة الإيطالية، إلا الخوف من أن تخسر مساحة الحريّة التي حجزتها لنفسها منذ اتخذت قرار الكتابة باسم مستعار حين نشرت للمرّة الأولى سنة 1992. أن تعلن فيرانتي عن إصدار رواية جديدة، سيكون الحدث الأدبي العالمي الذي ينتظره آلاف القرّاء حول العالم. بعدما صدرت أحدث رواياتها «حياة البالغين الكاذبة» في إيطاليا نهاية العام الماضي، ها هو العالم بات مستعدّاً لقراءة الرواية الجديدة بحوالى 30 لغة ستُنشر ابتداء من الشهر المقبل، بعدما تأجّلت الإصدارات بسبب انتشار وباء كورونا.
نابولي سنة 1980 - بعدسة المصوّر التشيكي جوزف كوديلكا

إذا كانت لدى فيرانتي بطلة ثابتة في رواياتها، فإنها ستكون مدينة نابولي منذ رباعية نابولي («صديقتي المذهلة» و«قصة الاسم الجديد» و«أولئك الذين يغادرون وأولئك الذين يبقون» و«قصة الطفلة الضائعة»). في الرواية المنتظرة التي ستُنشر بالعربية الشهر المقبل عن «دار الآداب» في بيروت (ترجمة: معاوية عبد المجيد)، يتوقّف الزمن لدى فيرانتي وبطلتها جوفانا في نابولي التسعينيات. ثمّة عبارة تتناهى إلى أذنَي المراهقة ذات مساء بارد من شهر شباط/فبراير، تكفي لكي تخلخل نظرتها إلى نفسها وشعورها بذاتها، ولكي تقلب المسار المطمئن الأمثل بالنسبة إلى والديها. تنشأ الابنة الوحيدة لأستاذين، على النقاشات الماركسية لوالدها اليساري. اعتادت أيضاً أن تسمع عبارات تدعم ثقتها بنفسها كأنثى. كلّ ذلك ينقلب يوم تسمع والدها يهمس لأمها: «لقد باتت تتخذ وجه فيتوريا»، مشيراً إلى عمّتها القبيحة. عبارة لا تترك خياراً لجوفانا سوى بترك البيت العائلي في البقعة العليا التي لم تعرف من نابولي سواها. كأنّ وعي جوفانا بنفسها يتقلّب بين عبارة والدها الجارحة، وعبارة حبيبها روبرتو الذي يؤكّد لها «أنت جميلة». جملتان تتقاذفان نظرتها إلى نفسها. أما طريق البحث، فيمرّ بالأحياء السفلية لنابولي وبأزقّتها المحفوفة بتكشّف الحقائق والأكاذيب. تشيّد فيرانتي عالماً قائماً على شتى أنواع الأكاذيب، العائلية والطبقية، والجندرية... والروائية بالطبع. تتبع الرواية التحوّلات الجذريّة في شخصيّة المراهقة منذ أن كانت طفلة مدلّلة في الثانية عشرة من عمرها، وصولاً إلى فتاة في السادسة عشرة تزداد عنفاً تُجاه والديها المثقفين. عمر مثالي كمنظار أكثر صفاء من أي عمر آخر لتعرية حياة البالغين، والنبش فيها. وفي عوالم فيرانتي، سيكون هذا العمر الذي تسقط فيه حكايات، وتولد حكايات جديدة على لسان البطلة. يحصل كلّ هذا حين تلتقي بعمّتها فيتوريا، وتقضي وقتاً طويلاً مستمتعة بالإصغاء إلى ما تتفوّه به من بذاءات، برفقة أصدقائها العنيفين، وعشرات الشخصيات المختلفة التي تطلع من تلك الأزقّة ومن الأحياء العليا على السواء. علماً أنه فور صدور «الحياة الكاذبة للبالغين» بلغتها الأصلية في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، أعلنت منصّة «نتفليكس» العمل على مسلسل جديد بالاستناد إلى الرواية يحمل توقيع المخرج فيليب تويس.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا