في كتاب «صعود أنتيغون: السلطة التخريبية للخرافات العتيقة» (wildfire 2020)، تقول الكاتبة هِيلِين مورالِس، وهي أستاذة الدراسات الهيلينية في جامعة كاليفورنيا: «عندما كنت فتاة كنت محظوظة بما يكفي لقراءة مؤلف يسمى «حكايات الأبطال اليونانيين»: «لقد أسرني ولا أحد يفعل القوة والتمرد والحب والبغض تماماً مثل آلهة الخرافات القديمة وبشرها. أحببت أن أعرف أن العيون على ذيل الطاووس موجودة لأنه عندما قتل عملاق محبوب من هيرا، ملكة الآلهة، انتزعت عينه ووضعتها على طائرها المفضل. ما زلت أحب الطريقة التي تفتح بها الأساطير طرقاً جديدة للنظر إلى العالم». ولماذا اختارت الكاتبة الخرافات؟ تجيب: «لأنها رويت وأعيد سردها على مرّ القرون وأصبحت ذات معنى لثقافة أو مجتمع وجزءاً لا يتجزأ من قسم في ثقافة الغرب، وتشكل أسس وسقالات المعتقدات التي ترسم سياستنا وحياتنا، وهي يمكن أن تكون محدودة ومدمرة، لكن ملهمة ومحررة أيضاً».اختارت الكاتبة شخصية الطفلة أنتيغون التي رواها الكاتب المسرحي اليوناني سوفوكليس وهي واحدة من أكثر الخرافات اليونانية شهرة وإحدى أكثرها أهمية للنسوية والسياسة الثورية حيث أصبحت أيقونة للمقاومة: هي مثال على تفضيلها القناعة الشخصية على قانون الدولة، ذلك أنها تصر على دفن شقيقها بولينيس مع أن عمها كريون حاكم طيبة يحظر صراحة الدفن ويلوّح بعقوبة القتل لمتحديه: هي تتحدى سلطة الذكور مع أن عمها أصر على أن النساء أدنى من الرجال وأن الرجال يجب أن يحكموهن. إنها ضعيفة وخائفة، لكنها تتجرأ على خرق القانون.
تذكِّر الكاتبة بأن خرافة أنتيغون عن فتاة تخاطر بكل شيء من أجل قضية تؤمن بها وترفض الخضوع للسياسيين الأقوياء، وروحها تعيش في أيامنا هذه في إيشا إيفانز التي تم تصويرها وهي تقف بثبات في ثوبها الصيفي الرث عند مواجهتها جدار الشرطة المدججين بملابس مكافحة الشغب في احتجاجات «حياة السود مهمة»، وتعيش أيضاً في ملالا يوسف زاي التي قامت بحملة من أجل حقوق الفتيات في باكستان في التعليم رغم خطورة انتهاك قوانين طالبان الذين حاولوا قتلها في عام 2012. وهي لا تزال تعيش في المعارضة الحازمة لتغير المناخ التي أظهرتها الفتاة السويدية غريتا ثونبرغ التي أضربت عن المدرسة للاحتجاج، وأقامت خارج البرلمان السويدي: كانت فرداً وحيداً مع لافتة من الورق المقوى، لكنها استحالت مصدر إلهام حركة عالمية ولنا عودة.
قد يقف كثر اليوم مع أنتيغون، لكن الجمهور الإغريقي لم يكن ليقف إلى جانبها، بل على الأغلب أدانها لأنها عصت أوامر الآلهة. وهناك نصّ عتيق عنوانه «عن اعتلالات العذارى» يقول إن الفتيات، ممن هن في عمر أنتيغون، يجب أن يتزوجن، وفي حالة عدم ذلك، فإنهن يمرضن ويصبن بالجنون ويتمنين الموت: أنتيغون تتمنى الموت في الخرافة.
أساطير العصور القديمة التي تعلّم في مدارس الغرب تتضمن حذف بذور المقاومة النسوية


توضح الكاتبة أن التاريخ الفكري، أي أعمال كبار الفلاسفة والروائيين والمنظرين والكتاب المسرحيين والسياسيين والمفكرين الآخرين من العصور القديمة حتى اليوم، تعتمد باستمرار على الأساطير اليونانية والرومانية، ما يعني الدخول في محادثات فلسفية وتاريخية وفنية وسياسية، غالباً ما تنطوي على الانخراط في أفكار وحجج من الإغريق وروما. وقد اختلف الغرض الأيديولوجي لهذه المحادثات على نطاق واسع. فقد استخدمت العصور الكلاسيكية لتبرير الفاشية والرق وتفوّق العرق الأبيض وكراهية النساء، ومارست أيضاً دوراً حاسماً في المثالية السياسية وإلهام للآباء المؤسسين والحركات النقابية والماركسية وحركة حقوق المثليين.
تختلف العلاقة بين القديم والحديث في كل فصل من الفصول. ففي بعضها، تحتل النصوص اليونانية والرومانية مركز الصدارة: تنظر الكاتبة في كيفية قراءتها وسوء قراءتها أيضاً، لخدمة جداول الأعمال التقدمية أو لمقاومتها. سيجادل الفصل المتعلق بالنظام الغذائي في أن الطبيب اليوناني القديم أبقراط قد أسيء فهمه وتم اقتباسه في الكتابة الطبية الحديثة والشعبية عن الأنظمة الغذائية: العلاقة بين القديم والحديث هنا محددة وواضحة، حيث يستهلك الحديث القديم بطرق مؤذية بشكل خاص للنساء في الفصل المتعلق بقواعد الزي المدرسي وضبط ملابس النساء من قِبل «مراقبات» اليونان القديمة.
أحد استنتاجات هذا المؤلف أن الخرافات القديمة لها قوة تخريبية على وجه التحديد لأنه يمكن إخبارها وقراءتها بطرق مختلفة؛ فهي ترتفع إلى ما بعد المكان الذي يمكننا إبقاءها ثابتة فيه. يمكن أن يكون هذا بسبب غموضها الكامن وقدرتها على الكشف عن منظور مختلف إذا قرأناها بعناية (كما رأينا في الطريقة التي يمكن بها قراءة الأساطير حول الصدمة الجنسية والبيئة والتحول بين الجنسين في تحولات أوفيد في ضوء جديد).
إن العديد من الخرافات اليونانية، كارهة للنساء: زوج الأب إينو التي نصحت زوجها بالتضحية بأطفاله من الزواج السابق، الطفلان هِلِه وفريقصس (Phrixus) اللذان طارا على كبش ذهبي مع أن الطفلة سقطت في البحر وأعطت اسمها إلى (Hellespont)، أي مضيق الدرنديل (شنق قلعة بوخاز Çanakkale Boğazı). وهناك فِدِيرا التي اشتهت ابن زوجها واتهمته زوراً بالاغتصاب بعدما رفض مراوداتها عن نفسه، بما يعني تعزيز الافتراض الخبيث بأن النساء لا يمكن الوثوق بهن عندما يتعلق الأمر بادعاءات الاغتصاب. الخرافات الإغريقية لا تتحدث عن الأخوة والتضامن الأنثوي: فغالباً ما يتم تأطير إلكترا وقريسُثمِس، وأنتيغون وإسمِنِ في معارضة لبعضها البعض، الباطشة والقوية مقابل الضعيفة والخاضعة.
ختاماً تقول الكاتبة: إن صورة العصور القديمة الكلاسيكية التي تعلم في مدارس الغرب مؤطرة بطرق معينة تتضمن التستر على كراهية النساء مع حذف بذور المقاومة النسوية. فالعديد من الممارسات الضارة اليوم مثل قواعد اللباس المدرسي واستغلال البيئة وثقافة الاغتصاب لها جذورها في العالم القديم. يقدم هذا المؤلف فهماً جديداً للقصص التي يؤخذ بها أمر مسلم به، ويوضح كيفية استعادتها لتحدي الوضع الراهن وإطلاق شرارة مقاومة الأنظمة غير العادلة.

* Antigone Rising, The Subversive Power of the Ancient Myths. wildfire 2020. 224 pages. helen morales