لم يبقَ سوى رائحة التبغ بين أصابعناغسلنا أجسادنا ولبسناها فوق الظلال
بكينا سوية
وكثيراً ما تعانقنا
وحين أردنا الضحك
هربت منا وجوهنا
الخسارات التي لا تنام أبداً
لم نعد نضع أيدينا في عجلة الأيام
الأيام الجافة
الباهتة
الرتيبة
والتي لخبثها باتت تعرف أسماءنا

كارول هيفت ـــ «وحيداً» (أكريليك على كانفاس ـــــ 61 × 45.7 سنتم ــــ 2019)


عناوين بيوتنا
الطرق المؤدية إلى خيباتنا
حنينا أنظارنا يومها
من اخترع الذنب
يخبرنا أو يخبر أمهاتنا
أننا نعاقب على إثم
اقترفه ابن الجيران

(2)

الأنثى التي مرت ذلك اليوم
التي سمحت لنا أن نشم رائحة عطرها
وسمحت لنا أن نشعر
ماتت وهي تلد اليوم
أقسمت ــ الداية ــ العجوز
بأنها لم تكن حبلى
لكنها ماتت
ماتت الأنثى
يدي هذه
التي أحتاجها لأمسح بها دمعاً
صفعت بها خدي
وارتميت فوق أرصفة أنهكتها الظهيرة
كان على أحدهم أن يمثل الدور
وكنت أقرب المبتعدين عن الحقيقة
جاء المعزّون والمهرولون
نبّاشو الذكريات الكاذبة
مطلقو الشفقات والمدخنون
ولا زلت أبكي
أصفع خدي وأبكي
وإن سألت لماذا أفعل هذا
أجيب
ماتت أمي وهي تلدني
يوم ماتت الأنثى
هذا ما حصل

(3)

أرخينا بعدها حبال القوارب
تذهب بنا عكس المناديل الملوحة
المناديل المسمومة بغاية الوداع
أسدلنا أشرعتنا
الرياح غير موجودة
لكننا أسدلنا الأشرعة
وقفت أراقب البحر
إذ يسألني عن اسمي فأنساه
وكنت أدوخ كثيراً
وكان الوقت مساء حينها
آخر غيبة ضوء أذكرها
عارياً
أرتدي القليل من الأقنعة
لا أتذكر أسماء الأصدقاء
رحل الأصدقاء
وتركوا مسافة شاسعة بين نبضتين
رحلوا ولا أعرف لماذا
لكنني أكملت الحكاية
أمسكت بشبكة صيد ورميت بها
تشدني وأشدها
سحبت من جوف البحر
جسدي
صاح أحدهم
(لدينا ما نأكله الآن)
ما همني إن أكلني الآخرون
أصبح عندي حكاية

(4)

ثم عدنا
كأننا ما رحلنا
أو كأننا لم نجِئ
كنت أراقب المستقبلين بعين مفتوحة
والأخرى مغمضة
أعراس الخارج لا تغويني
ثم كانت رائحتي كريهة
رائحة المصير والملح
من شأنها أن تزهق كل عناق قبل أن يحدث
نمت ليلتها فاتحاً ذراعي
وحلمت بالكثير من اللقاءات
أعتقد أنني لم أستيقظ بعدها
لا يعنيني الموت حقاً
ليس لأنني لا أفهمه
بل لأنني لا أثق به
الجنازة
نصف رجال القرية وكل نسائها
وضعوني في حفرة تتسع لرجلين وطفل
ردموها بالكثير من التراب
بكوا جميعاً
نعم
بكوا كثيراً
كثيراً بكى الغرباء
وزرعوا قرب رأسي
شجرة لا تتكلم كي تؤانسني
تركوني بمفردي ورحلوا
انتظرت أن أولد مجدداً
بوجه جديد وجسد جديد وملابس جديدة
بأخطاء جديدة
وخيبات جديدة
ضحكات تعيسة باهتة جديدة
لم يحصل شيء
ولم يأتِ أحد لزيارتي
لم يسألني جيراني الموتى عن اسمي أيضاً
كنت سعيداً بهذا
ما عدت ملزماً على الانتظار
لن يأتي أحد هذه المرة
نمت ضامّاً نفسي
نمت بذراعين مضمومتين

* سوريا